بين الرصافي والزهاوي

TT

مواصلة لما كتبت عن جوعيات الشعراء، وردتني عدة رسائل ومكالمات، كان منها ما بعث به القارئ الفاضل سفيان الخزرجي عما جرى بين الشاعرين العراقيين معروف الرصافي ومحمد جميل الزهاوي. كان هذان الرائدان من رواد المدرسة العراقية المعاصرة، يكرهان بعضهما البعض كره المرارة. سألوا الزهاوي يوما عن رأيه في أمير الشعراء أحمد شوقي فقال: شنو هذا أحمد شوقي؟ تلميذي معروف الرصافي يكتب شعرا أحسن منه!

حاول الملك فيصل الأول المصالحة بينهما، فدعاهما على عادته لمائدة عشاء تقوم على الديك الرومي المحشو بالرز واللوز، طريقة العراقيين في طبخ الدواجن. فيما كانا يأكلان، أخذ الزهاوي ينبش الرز من تحت الديك ويأكل حتى سقط الطير إلى جانبه فأنشد وقال: «عرف الفضل أهله فتقدما»!

بادر الرصافي إلى تكملة البيت فقال: «كثر النبش تحته فتهدما»!

وكان مثالا آخر من جوعيات الشعراء رغم علو شأنهم ومقامهم، وأيضا مثالا آخر على شأن المثقفين العراقيين في منازعة ومحاربة بعضهم البعض.

والحكاية تذكرنا بما جرى مجرى الشعر الإخواني في مقالتي السابقة بين الشاعرين المصريين محمود نديم ومحمد الأسمر.

في الجيل اللاحق من شعراء العراق المعاصرين دعا صادق الصايغ زميله الشاعر زاهد محمد لوليمة عشاء فوجد أبو عمار أن الوليمة لم تتجاوز شوربة على أسوأ ما يكون وقطعة خبز يابسة، فلم يتمالك غير أن ينظم قصيدة طويلة قال فيها:

قد جئت ملهوفا إلى «صادق»

أجدد الود وعهد الإخاء

ولم أكن قد جئته جائعا

ولم تكن لي رغبة في العشاء

لكنـــه بالغ في جوده

فأحضر الخبز وصحن الحساء

فقلت يا الله من حاتم

المال والفقر لديه ســواء

لا تنزل القدور عن نارها

في بيته في الصبح أو في المساء

ولم أكد أذوق ذاك الحساء

حتى تعوذت برب السـماء

وغادرت موقعها معدتي

خشية أن ينزل فيها البلاء

إذ كانت الطبخة قد أنضجت

في قدرها قبل حلول الشتاء

حتى غدت كالخل في طعمها

واخضر منها القدر ثم الإناء

فقلت يا «صادق» أكرمتنا

وبارك الله بهذا الســخاء

فأحضر الشاي الذي لم نزل

نطلبه فإن فيــــه العزاء!

وظل الشاعر يستمطر الشاي من الشاعر ولم يحضر حتى أشرف الليل على نهايته:

فلم أظفر به حتى أطلت

تباشير الصباح من الليالي

متى أعددت هذا الشاي قل لي

واصدقني الحقيقة في المقال

فإني قد شممت له عطورا

تعود به إلى العُصر الخوالي

www.kishtainiat.blogspot.com