الشك المقبول في براءة الفول!

TT

يتهم البعض الفول بأنه المتسبب الرئيسي في «التناحة»، والخمول، ويضربون في نقده المثل الشهير: «اللي يأكل أربعين فولة يصبح ثورا»، رغم أن الفول يشكل الغذاء الرئيس لجحافل الفقراء، والعمال، والكادحين، وله مكانه ومكانته لدى الشعوب العربية، التي تتناقل أشهر أسماء بائعيه من الخليج إلى المحيط.

وباعتباري من كبار آكلي الفول ـ من غير الثيران ـ فبإمكاني أن أعدد أسماء أشهر عشرة من بائعي الفول في مدينة جدة، حيث أقيم، ونصف هذا العدد في القاهرة، حيث أقوم في كل مرة بجولة سياحية على أشهر إمبراطوريات الفول في هذه المدينة، أمثال: التابعي، والبغل، والجحش، وعلى موائد مطعم الأخير في السيدة زينب، يجتمع كل صباح شعراء، وفنانون، ومثقفون يتناولون الفول ولا يبالون.

وفي مدينة جدة كانت قهوة الصحافيين في حي الشاطئ الجنوبي، تلامس مطعم عثمان أمير، أشهر فوال في تاريخ مدينة جدة. ولما كانت سهراتنا لا تنتهي إلا بحلول الصباح، كان يحلو لنا أن نختتمها بأطباق فوله الشهي، لنضرب بعد ذلك في مناكبها، فترانا مبحلقي العيون من أثر الفول، وقد أغلقت العقول النوافذ.

ومكانة الفول جعلت الكثيرين يهتمون بأصله وفصله، حتى أن أستاذي المثقف الكبير، يرى أن أهل الحجاز هم أول من طوروا صناعة الفول، وهرسوه، ودلعوه، ودللوه بإضافة حاشية من البهارات، والسمن، والطحينة ليكتسب الشكل الذي هو عليه اليوم.

وآكلوا الفول من أمثالي لا يرون الحياة ممكنة بلا فول، حتى أنني حينما ابتعثت للدراسة في أميركا في عقد السبعينات من القرن الماضي، لم يهدأ لي بال حتى اكتشفت في مدينة شيكاغو ـ القريبة من المدينة التي أدرس بها ـ مطعما يقدم المأكولات الشرقية، وفي مقدمتها الفول، لتغدو شيكاغو المدينة التي تحتضن خطاي في نهاية كل أسبوع، ومن أجل «الفول» تكرم مدينة!

ومما يروى أن الفول أكلة قابلة للإدمان من أول طبق، وأن بإمكان خبراء الفول أن يكتشفوا مدمنيه بسمات ظاهرة على وجوههم، وأسلوب مشيهم، وطرائق تعبيرهم.

وقد طرحت ذات يوم على خبير تغذية هذا السؤال:

ـ هل من المعقول أن يتسبب الفول في خمول العقول؟!

فقال:

ـ علميا لا يوجد ما يؤكد هذا الأمر، لكن المتابع لأحوال عالمنا العربي، باعتباره في مقدمة الشعوب المستهلكة للفول، يمكن أن تنتابه بعض الشكوك حول براءة الفول.

[email protected]