جندي في إمارة (موناكو)

TT

يطيب لي أن أشكر كل من علق على مقالي: (الرجل المتنقب) يوم الاثنين الماضي، كما أشكر كل من تعاطف معي حتى بالصور على موقع (إيميلي).

والآن أدخل في موضوعي اليوم وأقول:

إنني أحب وطني ولا أرضى عنه بديلا.

ولكن إذا كان ولا بد وأرغمت إرغاما فإنني أفضل أن أكون (موناكيا)، غير أن هذا من الصعب أن يتأتى، حيث إنه لن يستطيع أحد اكتساب الجنسية لتلك الإمارة إلا بعد أربعة أجيال، فلا بد أن يكون والدي وأجدادي قد ولدوا فيها، وللأسف أن لا أحد من أجدادي قد هفه الشوق مثلما هفني ليذهب مهاجرا إلى هناك لينجب ذرية صالحة أكون من ضمنها.

ومن المؤكد أنني لو كنت من مواطني تلك الإمارة، لانخرطت بدون تردد في السلك العسكري، فعدد جنود الجيش هناك لا يزيدون عن مائة جندي بين رجل وامرأة، ولقد شاهدت ملابسهم الزاهية الألوان، والكثيرة الزخارف البراقة، وهم يعيشون في ثكنات مترفة جدا.

وأحلى ما في الموضوع أن احتمالات نشوب حرب هناك ضئيلة جدا، فهي (واحد على مليون)، ورواتبهم تكفل لهم حياة رغيدة لا شظف فيها ولا نحلة قلب.

وقد جعلتها عادة حسنة عندي، فكلما تسنى لي الذهاب إلى جنوب فرنسا، فلابد وأن أعرج على إمارة موناكو لكي أتفقدها واستطلعها وأتأكد من استتباب الأمن في مرابعها الوديعة.

وللمعلومية فمساحة الإمارة الكلية لا تزيد عن (اثنين كيلو ونصف) متر مربع ـ أي أنها في حجم حديقة (الهايد بارك) في لندن تقريبا ـ ويستطيع أي إنسان أن يدخلها قادما من فرنسا دون جواز سفر أو تفتيش حقائب، ومع ذلك هي تتمتع بما تتمتع به الدول الكبيرة، فلها علمها الخاص، وبرلمانها، ودوائرها الحكومية، وعدد سكانها لا يزيدون عن خمسين ألفا، فيما يدخلها سنويا ملايين الأشخاص كسياح، وليس فيها سوى شارعين مستويين، أما بقية الطرقات فهي إما منحدرات أو سلالم ملتوية، لهذا كانت طوال تاريخها حصينة لم يستطع أحد اقتحام أسوارها قبل اختراع البارود، والوحيد الذي استطاع اقتحامها هو رجل من (جنوا) الإيطالية واسمه (رينيه جريمالدي)، حيث عمد إلى حيلة، فألبس جنوده زي الرهبان، فلم يتردد سكان القلعة وفتحوا له الأبواب واستولى عليها ومن ذلك الحين وعائلته هي التي تحكم.

ولم يصبح لها شأن يذكر إلا عام 1864 عندما سمح (شارل الثالث) للمسيو (فرانسوا بلان) ببناء كازينو يديره لألعاب الميسر، فاختار ذلك المكان وأطلق عليه مسمى (مونت كارلو)، وعبد الطرق، واستحدث نظام الإنارة بغاز الاستصباح، وشيد فندقا ومطاعم، وساحات للرقص، واستقدم أعظم فرق الأوبرا والباليه، وأثرى مسيو (بلان)، وبفضل أمواله دعم حكومة موناكو، وأنشأ المتنزهات والطرق والمجاري.

وحسب الاتفاق مع فرنسا فإن أمير (موناكو) إذا أخفق في إنجاب ولي العهد، سيؤول مصير الإمارة إلى فرنسا، وإلى الآن أمير موناكو أعزب لم يتزوج، رغم أنهم يقولون إن له ولدا من علاقة غير شرعية مع امرأة أفريقية.

وما أدراكم فها هو (أوباما) من أصول أفريقية، وأصبح على رأس أقوى دولة في العالم، فماذا يمنع كذلك من أن يكون أمير (موناكو) القادم يجري في عروقه الدم الأفريقي؟!

فلتنشرح صدوركم أيها الأفارقة، فالمستقبل لكم وها أنتم أخذتم المجد من أطرافه، ففي يدكم اليمنى الصواريخ العابرة للقارات، وفي يدكم اليسرى الكرة الصغيرة (للروليت)، وهي الكرة الأغلى في العالم، لأنها بعد الله سبحانه، هي التي تعز وهي التي تذل.

[email protected]