دور قطاع الأعمال في بناء اقتصاد منخفض الكربون

TT

استضافت لندن أخيراً اجتماع قادة مجموعة العشرين (G20)، في سعي مشترك إلى وضع العالم على الطريق الصحيح نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.

وفي خضم النقاشات المتداخلة التي دارت بين المجتمعين، تبدو هناك قضية واضحة تماماً وهي أنه يجب إعادة إحياء النمو في الاقتصاد العالمي، وأنه لن يقبل أبداً تحقيق مستويات نمو متدنية. ومن هذا المنطلق، تنوي حكومات الاقتصادات الكبرى إنفاق نحو 3 تريليونات دولار لحفز النمو.

وعلى أية حال، فإن النقطة المهمة هنا تتمثل في أن استراتيجية الإنعاش الاقتصادي القائمة على موارد طاقة ذات انبعاثات كربونية مرتفعة، لن تؤدي إلى النمو الاقتصادي المستدام الذي يحتاجه العالم ـ بل ستصطدم في النهاية بجدار ارتفاع أسعار الهيدركربونات وتدهور حالة البيئة الطبيعية نتيجة التغير المناخي. وبالتالي، لن تعود الأعمال إلى ما كانت عليه في السابق.

وعليه، فإن تحقيق الازدهار في المستقبل، يحتاج إلى اقتصاد عالمي يتسم بارتفاع معدلات النمو، وتدني نسب الانبعاثات الكربونية.

وقد أصبح العديد من قادة الأعمال حول العالم على قناعة متزايدة بإمكانات وفرص النمو طويلة الأمد التي يوفرها الاقتصاد منخفض الكربون، إضافة إلى أن آفاق توفير فرص العمل والتقنيات والممارسات والخدمات والمنتجات الجديدة الضرورية للانتقال إلى هذا الاقتصاد، تبدو واسعة. وفي هذا الصدد، قام أكثر من 100 رئيس تنفيذي من مختلف القطاعات والمناطق حول العالم، في مبادرة أطلقها «المنتدى الاقتصادي العالمي» العام الفائت، بإعداد توصيات حول مواجهة تغيرات المناخ، حيث جرى تقديمها إلى قادة مجموعة الثمانية (G8)، وشملت سلسلة من الخطوات العملية التي من شأنها أن تحفز فرص النمو منخفض الكربون.

وقد حظيت توصيات الرؤساء التنفيذيين بدعم العديد من تقارير الأمم المتحدة التي أجريت حديثاً بتوكيل من برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP). ويوضح البرنامج أنه يمكن توفير ملايين فرص العمل الجديدة الآن وخلال الأعوام المقبلة، من خلال مبادرة «الاتفاقية البيئية العالمية الجديدة» (Global Green New Deal)، مما سيمهد الطريق لقيام اقتصاد يتسم بكفاءة موارده وانخفاض انبعاثاته الكربونية في القرن الواحد والعشرين. وتشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2030، يمكن توفير ما يصل إلى 20 مليون فرصة عمل حول العالم في قطاع الطاقة المتجددة وحده، أي ما يعادل ضعف عدد فرص العمل التي يمكن توفيرها من خلال الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري.

يتضح مما سبق أن الازدهار الاقتصادي منخفض الكربون لا يخص فقط البلدان الصناعية، بل يشكل في الحقيقة أجندة للتنمية الدولية المستدامة، ولا سيما في الأسواق الصاعدة. وتظهر التحليلات أن بناء اقتصاد عالمي منخفض الكربون سيتطلب إيجاد تدفقات مالية كبيرة وطويلة الأمد إلى البلدان النامية، بما لا يقل عن 100 مليار دولار إضافية سنوياً، وذلك بالتزامن مع توفير المساعدة الدائمة لتطوير وتطبيق أحدث التقنيات. وإذا ما ترافق النمو منخفض الكربون مع إيجاد فرص العمل وخفض معدلات الافتقار إلى الطاقة وفتح آفاق أوسع لإمكانات النمو، والتي ستسهم هذه التدفقات المالية والتقنيات في تحقيقها، فإنه سيوفر للبلدان النامية فرصة تاريخية للدخول في مرحلة نمو جديدة وأكثر استدامة.

ولكي يتم بناء هذا الاقتصاد الجديد، فلا بد وبشكل عاجل من إيجاد حوافز وسياسات عملية تساعد في إزالة العقبات التي تعيق توفير التدفقات المالية والتقنيات منخفضة الكربون، الأمر الذي سيتيح إعداد خطط إنعاش اقتصادي صديقة للبيئة وذات تأثير أعظم على المديين القريب والبعيد. ولا شك أن بناء اقتصاد عالمي مفتوح يعتبر عاملا رئيسياً لتحقيق النقلة الكبيرة والسريعة التي نحتاجها. وقد تنطلق الخطوة الأولى على هذا الطريق من قمة مجموعة العشرين في لندن، عبر تقديمها الدعم لإعداد توصيات محددة حول هذه القضايا. وسيكشف ذلك أيضاً عن النية الواضحة لدى حكومات الاقتصادات الكبرى للخروج بنتائج طموحة وعملية من المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة حول توقيع اتفاقية دولية جديدة للمناخ، والتي سيجري إتمامها في كوبنهاغن في ديسمبر (كانون الأول) من العام الجاري.

ولكن مسؤولية تحقيق ذلك لا تقع فقط على عاتق الحكومات وحدها، إذ لا بد لقطاع الأعمال من أن يقول كلمته، لا سيما وأنه المصدر الرئيسي للاستثمارات والابتكارات والمنتجات والخدمات منخفضة الكربون، فمن المهم إذاً الاستماع إلى وجهة نظر قطاع الأعمال حول السياسات العملية التي سيكون لها الدور الأكثر فاعلية في حفز عملية التغيير. وإننا نرحب بالجهود التي بذلتها الحكومات في ما يخص مفاوضات «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغيّر المناخ» حول مشاركة قطاع الأعمال بشكل مباشر في تنفيذ «خطة عمل بالي». وقد عمل «مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة» مع أبرز الرؤساء التنفيذيين في العالم لدعم المفاوضين في هذه العملية من خلال اقتراح آليات محددة قد تسهم في وضع إطار عمل مستقبلي منخفض التكاليف وملائم بيئياً للتصدي لمشكلة التغير المناخي.

من هنا جاءت الاستجابة السريعة لقادة الأعمال وخبراء المالية والاقتصاد وتغير المناخ حول العالم للدعوة التي وجهها رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون خلال منتدى دافوس في فترة سابقة من العام الحالي، إلى تشكيل فريق عمل معني بانبعاثات الكربون، على أن يقدم هذا الفريق تقريره إلى قمة العشرين في لندن. وفي هذا السياق، أعرب ما يزيد على 75 خبيراً من مؤسسات وشركات دولية حول العالم، والذين تواجدوا في المنتدى الاقتصادي العالمي، عن استعدادهم للتعاون مع مسؤولي قمة العشرين في هذا المجال. وتضم النقاط الرئيسية التي يتطلعون إلى مناقشتها:

* كيف يمكن تطوير آليات السوق على النحو الأمثل لتحديد سعر للكربون، على أن يأخذ في الحسبان تكلفته الفعلية؟

* كيف يمكن للحكومات والشركات أن تعمل معاً كي توفر للمستهلكين خيارات حقيقية ومعايير فاعلة في ما يخص المنتجات والتقنيات والخدمات منخفضة الكربون؟

* كيف يمكن وضع التقييم الأفضل لمعايير كفاءة الطاقة عالمياً؟ وما هي مقومات الاقتصاد الذكي والقائم على الطاقة النظيفة، وما هي التقنيات والسياسات التي نحتاج إلى الاستثمار فيها كي نحقق أهدافنا المنشودة؟

* كيف يمكن، وخاصة في عالمنا اليوم، أن نوجه دفة الاستثمارات نحو التقنيات التي من شأنها أن توفر فرص العمل والطاقة النظيفة، لاسيما في الدول النامية؟

إننا نتحدث هنا عن مسألة عملية مهمة، ويجب أن يبدأ تطبيقها بشكل فوري. وفي حال سيجري إعداد وتطبيق خطط الإنعاش الاقتصادي خلال الأشهر المقبلة، فلا بد لنا من أن نحدد أفكاراً ومشاريع معينة من شأنها أن توجد فرص العمل على المدى القريب، وتحفز عملية الانتقال بعيدة المدى إلى مرحلة الاقتصاد العالمي منخفض الكربون. وإننا نتطلع إلى التعاون مع أطراف أخرى في «فريق العمل» لصياغة أفكار قادرة بالفعل على إحداث التغيير، كي نقدمها إلى قادة العالم في الأمم المتحدة خلال سبتمبر (أيلول) المقبل.

* الرئيس التنفيذي لشركة «برايس ووترهاوس كووبرز الدولية المحدودة».. ورئيس مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة

* المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي

المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة

* خاص بـ «الشرق الأوسط»