السيرة غير الكاملة لقرصان اسمه «عبدي»!

TT

ولد بريئا كالفجر، حرا كالريح، نقيا كمهجة زاهد، وفي بيت من بيوت الصفيح «قرصنوه» طفلا برائحة الموت، وترانيم الرصاص، ومعزوفة القنابل، لتغدو الحياة في عيونه قاتلا ومقتولا، قابيل وهابيل.

حينما غمس قدمه في البحر أول مرة سألوه:

ـ ما لون البحر؟

قال وبقايا براءة مسكونة في الزوايا:

ـ إنه أزرق.

فنهره كبير القراصنة بعنف، وهو يقول:

ـ تنبه يا فتى للبحر لون واحد فقط، هو الأحمر، وهذا اللون إما أن يكون دمك أو ذهب الآخرين.

يومها أحرقوا دمه، فغدا الآخر غذاءه، وكساءه، وصيده.

على الشاطىء، وعند نقطة التقاء السماء بالبحر راح يتأمل فرائس المراكب البعيدة، الذاهبة، الآيبة، ويتحسس ذراعه الواهنة، وعظامه النافرة، ويحلم بمركب صغير، وشراع، ومجداف، وفوهة بندقية ليصطاد وعول البحر المسافرة.

كبر سريعا، لم تنضجه الأيام على نار هادئة، فعانق الريح بصدره العاري، يمتطي صهوة موجة مسافرة، مشى على حبال، وتسلق مراكب، وعاد لبيت الصفيح يحمل لإخوته الشيكولاته، وشراب الكولا، وقبعات البحارة، وأحذيتهم، وبيارق السفن، ونصيبه من فدية تكفي لتحويل كوخه إلى نصف قصر.

كرر التجربة ثانية، وثالثة، ورابعة، نبت الربيع خصبا في بيت الصفيح، واخضرت الأحلام فيه، فسافر «عبدي» بخيالاته إلى بلاد بعيدة، حلم بالسيجار، والكافيار، و«التنانير» القصيرة، لكنه لم يقرر متى ستكون القرصنة الأخيرة!

وقف مع رفاقه الثلاثة ينتظر انطفاء النهار، يتأملون النوارس الآيبة من البحر ـ على ظهر الشمس ـ إلى قريتهم الصغيرة، والأفق يشتعل احمرارا. على دفة المركب ثبت صورة صغيرة لعارضة الأزياء نعومي كامبل، راح يتأملها، ويتخيلها قطة شرسة، هو مغرم بهذا النوع من النساء الثائرات، وحلم قبل أن يبحر بأشياء كثيرة من بينها نعومي.

في البحر لا يعبأ القراصنة بأعلام السفن، هي قطع من القماش يمكن أن تتدثر بها صدور الأطفال العارية، دار حول فريسته دورة كاملة، أعاد الدوران مرة أخرى، ألقى بحبال شباكه على الفريسة، واختطف القبطان رهينة.

السماء تمطر مروحية، اثنتين، لا بل ثلاثا، وفرقاطة حربية من الأمام، وأخرى من الخلف.

ـ «إنها رحلتك الأخيرة يا عبدي!»

سكب العبارة في جوفه، وهو يشد زمام تهوره قليلا. قتل الرفاق الثلاثة في وقت واحد، اخترقت رؤوسهم ثلاث رصاصات في آن واحد، شدوا وثاقه، أفقده الألم وعيه فراح يغني:

«صياد. وجيت اصطاد صادوني»

في نيويورك وجد نفسه وحيدا، هو أول قرصان يحاكم منذ مائة عام، إنه قرصان رغم أنفه. ابتسم لكاميرات الإعلام، نظر في الوجوه التي التفت حوله هناك، ليس من بينها وجه نعومي كامبل!

[email protected]