ناثر الخير

TT

لم أجئ إلى «المنطقة الشرقية» منذ أربعة عقود. كنت يومها في طريقي إلى البحرين ومنها إلى الكويت. وكان على المسافر يومها أن يبدِّل عددا من الطائرات. جميعها بمحركات. وأما طائرة الظهران ـ المحرق، فكانت من نوع «هيرن»، تتسع لاثني عشر راكبا، وطاقمها ربانها، والله راعيها.

من المضحك المقارنة، مهما كانت الرغبة في ذلك شديدة. لكن اليوم هناك أهم مما قطعته «الشرقية» في أربعين عاما. هناك هذا الرجل الذي يشارك في قمم العالم مشددا على «روابط الإنسانية جمعاء» و«حوار جميع الشعوب والحضارات»، وفي بلاده يشدد على أهمية الإنسان السعودي، فيصرف في سبيل العلم والعمل والكفاية، عشرات المليارات.

يعدد يوسف الكويليت في مقاله الافتتاحي في «الرياض»، ما حققه عبد الله بن عبد العزيز، فيرسم لنا صورة إنسان كبير، لا هم له ولا شغف سوى بناء الإنسان وتدعيم العلاقات البشرية في عالم مضطرب. هو الذي أطلق المنظمة الدولية لمكافحة الإرهاب. وهو الذي رعى حوار الحضارات في إسبانيا. وهو الذي أنشأ المبادرة العربية للسلام. وهو الذي رعى مصالحات العالم الإسلامي. وهو الذي رفض في الداخل أن تؤثر الكارثة العالمية على مشروع تنموي واحد. وهو الذي وضع الإنسان قبل العربة وقبل الحصان معا.

يتساءل المرء أين تبحث لجنة «نوبل» للسلام عن صاحب الجائزة لهذا العام؟ ربما تستعيد، مع أهل هذا العالم، صورة باراك أوباما منحنيا أمام هيبة وطيبة عبد الله بن عبد العزيز في عفوية تاريخية، تركت الناس تنهمك في تحليل وتعليل ما لا يحتاج إلى تحليل. إنها انحناءة الاحترام أمام شخصية عالمية تنشر من حولها إشعاع النفس البشرية النبيلة، من القمة العربية إلى القمة العالمية في لندن.

في زمن العنف والخطر والعداء، هذه هي الصورة التي يعطيها الملك عبد الله عن العرب وعن المسلمين. صورة الرجل القوي القادر، الذي ينشر من حوله روح المحبة وعظمة التواضع.

هنا، في «الشرقية»، إذ أستعيد ما يزيد على أربعة عقود، أتذكر أنه ليست هناك سياسات كثيرة في هذا البلد. ولا هناك مظاهرات وهتافات. وليست هناك اعتصامات تغلق الساحات وتشل المدن. وليست هناك خطب تهاجم جميع الناس. هناك إنسان يقطع مائة عام في أربعة عقود. وبلدة تدعى الرياض يصبح طولها 80 كيلومترا وعرضها 80 كيلومترا. وعلى رأس الدولة رجل يتفقد أرجاءها باستمرار من أجل «أن ينثر الخير»، كما يقول عنوان «الاقتصادية» هذا الصباح.