احضنّي.. احضنّي

TT

أتاني وعلامات الفزع بادية في محياه، فتطيرت من منظره المزري الذي زاد بشاعة خلقته بشاعة أكثر، فأخذت (أبسمل وأحوقل) لا شعوريا، و(أتف) على نفسي يمينا وشمالا لكي (أحصنها).

وليس هناك من شيء (يقطع خلفتي) ويجعلني أتطير، أكثر من مشاهدة وجه كشر في الصباح الباكر، وهذا هو ما حصل وقبل أن أنتهي من إفطاري الذي أقدره حق التقدير.

وبدون سلام منه أو سؤال مني قال لي: تصور أن زوجتي أتتني في الليلة البارحة، وأيقظتني وأنا في عز نومي، وهي ترتعد كالمجنونة قائلة لي: احضني، احضني، أنا خائفة.

تعجبت من كلامه السامج هذا، فما شأني به وبزوجته ليدخلني بينهما في ذلك المعترك السخيف؟! غير أني تحكمت بأعصابي وجاملته متسائلا: خير إن شاء الله؟!

قال: لقد ذهبت هي لحضور حفلة زواج.

أجبته مازحا: ومن يحصل له حضور مثل تلك الحفلة، ولا يحسد أصحابها؟!

رد علي بشيء من الغضب قائلا: أنت ما عندك غير الخيال الذي تفصله حسب مزاجك، ألا تسألني عن مصاب زوجتي؟!

قلت له: وأسألك ليه، زوجتك أيقظتك من منامك قائلة لك احضني، فلماذا لا تحضنها وتريحها، فما دخلي أنا لتقول لي مثل هذا الكلام؟!

قال: لقد حضنتها فعلا، وسميت عليها، وظلت المسكينة ترتعد بجانبي طوال الليل، ولم تنم.

قلت له: لقد حيرتني يا ابن الناس معك ومع زوجتك، فما هي الحكاية بالمختصر المفيد؟! فلم أعرف من كل كلامك الذي تبربر فيه حتى الآن غير أنها كانت في حفلة زواج، ثم طلبت منك هي أن تأخذها بالأحضان، طيب وبعدين؟!

قال: إنها بينما كانت في قاعة الأفراح ومهيئة نفسها لسماع الأغاني ولتشارك الحاضرات بالرقص في مثل تلك المناسبات السعيدة، وإذا بمجموعة من الحاضرات يقتحمن ويعتلين (كوشة) العروسة، وتخطف إحداهن الميكرفون وتبدأ بمحاضرة للمدعوات عن عذاب القبر وعن النار، وكيف أن ذلك الفرح ليس (فرحا إسلاميا)، وإنما هو فرح منكر فيه طبل وزمر، وكاد المكان يتحول إلى ساحة معركة، خصوصا أن العروسة أخذت تبكي وتتشنج، وأهل العروسة تدخلن لإيقاف تلك المتعصبات، غير أنهن كن أمضى شكيمة وأقوى عضلات وأخذن يتلفظن على صاحبات الفرقة الموسيقية بأقذع الألفاظ، بل إن واحدة منهن كسرت عود المغنية على رأسها.

وتحول الفرح إلى حزن وهرج ومرج، وهرب أكثر المدعوات من الصالة خوفا من أن يطالهن شيء من العنف، بما فيهن زوجتي التي هي من شدة رقتها ورهافة قلبها، تخاف حتى من ظلها، لهذا أتتني المسكينة وهي ترتعد قائلة لي: احضني، احضني.

الواقع أنني (تبلّمت)، ولا أدري كيف أرد على هذا المتيّم؟! حاولت أن أضحك، غير أن الموضوع ليس فيه ما يضحك، خصوصا أن الرجل محتقن ومشتت وآخذ الموضوع بجدية ما بعدها جدية، وكأنه حياة أو موت.

المهم لكي أنتهي وأرتاح من هذا الموضوع سألته عن حال زوجته الآن؟!

فقال: إنها ما زالت ترتعد.

قلت له: إذن اذهب الآن على وجه السرعة واحتضنها بعنف ولا تتردد، فلا شيء يريح أعصاب المرأة المتوترة أكثر من الحضن العنيف ـ خصوصا إذا كانت من النوعية المرتعدة.

[email protected]