أوباما يكرر مع إيران سياسة نيكسون مع الصين!

TT

عندما قدم كتابه إلى الناشر، اقترح عليه اختصار الكثير من الأحداث الحساسة «لأن الكتب الحامية» لا تبيع في الولايات المتحدة، لكن تشارلز دالفر الذي كان رئيس فريق التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق رفض، وصدر أخيرا كتابه «لعبة القط والفأر ـ البحث عن الحقيقة في العراق»، الذي يكشف الكثير من الحقائق المخيفة، منها الحقيقية ومنها المركبة، خصوصا من ناحية رفض الفريق المدني في وزارة الدفاع الأميركية زمن الوزير دونالد رامسفيلد الاستماع إلى الحقيقة والاكتفاء بما كان ينقله ويصوره إليهم أحمد الجلبي، الذي كان في الوقت نفسه على علاقات وثيقة وعميقة مع جهاز الاستخبارات الإيراني، وكان ذلك يتناسب مع توجهات ذلك الفريق وأهدافه.

وإذا كانت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش وضعت نصب أعينها تغيير النظام العراقي، ولم تكن بالتالي مستعدة لتقبل كل التنازلات التي اقترحها عليها، فإن إدارة الرئيس باراك أوباما تختلف في معالجاتها. يقول دالفر: «إن هذه الإدارة تركز على الاستقرار بشكل عام، وأخطار الحرب، لا تركز على ما إذا كانت القيادات جيدة أو سيئة، بل كيف تطور تفكير الدول التي تعتقد أنها تشكل خطرا».

في الكتاب كشف دالفر بالتفصيل الانقسامات داخل إدارة بوش، وأظهر ضعف وعدم كفاءة كوندوليزا رايس، خصوصا عندما كانت مستشارة الأمن القومي. «هناك خطر أن تواجه إدارة أوباما المشكلة نفسها، لأننا لا نسمع الكثير عن مسؤول الأمن القومي الجنرال جايمس جونز، لكنه يوضح أن الإدارة تحاول ترتيب أولوياتها. والمشكلة أن الجنرال جونز لا خبرة عميقة لديه في إيران مثلا».

في كتابه يكشف دالفر عن أن العراق كان يدفع الكثير للروس لإبقائهم إلى جانبه في مجلس الأمن، فهل يعتقد بأن الإيرانيين يفعلون الشيء نفسه مع الروس والصينيين لمنع أميركا من استصدار قرار دولي بحقهم؟ يجيب، إنهم يقومون فعلا بذلك، إنما على مستوى أقل، «ذلك أن مصالح الصين كثيرة في إيران التي تعطيها الكثير من التسهيلات، خصوصا أنها تملك الثروات في الأرض التي تنافسها بها دول الخليج الأخرى. ويرى دالفر أن هناك دولا أخرى تُقدم النصح لإيران كي «تلتف» على الولايات المتحدة.

يرى أن هذا واحدا من العوامل، فبالنسبة إلى العراق كان همه الوحيد التخلص من المقاطعة، لهذا كان يركز على إيجاد شرخ في مجلس الأمن. «كان طارق عزيز (وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء لاحقا) بارعا في هذه المهمة، وكان فخورا بإنجازاته. لكن هذا لا ينسحب على إيران لأن مجلس الأمن لم يقُل إنه اتفق على إصدار قرار جماعي بفرض المقاطعة على إيران». لكن هل يتغير الأمر إيرانيا، إذا فُرضت مقاطعة حقيقية، خصوصا أن اقتصاد إيران يزداد سوءا؟ دالفر ليس متأكدا مما إذا كانت روسيا والصين ستحترمان تعهداتهما وتلتزمان بالمقاطعة. «قد يكون للمقاطعة الحقيقية تأثير كبير في إيران، لأن القيادة الإيرانية أكثر حساسية تجاه شعبها مما كان عليه صدام حسين. لقد أساء الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد كثيرا للاقتصاد في بلاده، وإذا أضفنا لذلك المقاطعة سيزداد الوضع سوءا، لهذا يجب إقلاقها بأن الخطوة المقبلة ستكون المقاطعة».

في حديثه يراهن دالفر على نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران. يتوقع أن تتضح أمور كثيرة في منتصف الصيف المقبل، إذ ستُعرف بوضوح الوجهة الإيرانية، وسنعرف أكثر ردود الفعل في سورية وأفغانستان، وكذلك ردة فعل إسرائيل، لأن النتائج ستخلط الكثير من الحسابات. فإسرائيل تكرر القول إن برنامج إيران النووي يهدد وجودها، فماذا ستفعل؟

لا يرى دالفر أن هناك قدرة عسكرية تستطيع إيقاف أي برنامج نووي، يمكن أن تؤخره، لكن في حالة مثل إيران يمكن أن تقوي النظام. ويتساءل: «في ظل أي ظرف، يمكننا ألا نهتم، أو نهتم أقل، إذا امتلكت إيران برنامجا نوويا؟ ربما هي تتجه نحو إنتاج السلاح النووي، أو تتجه إلى الحد، حيث باستطاعتها تصنيع ذلك السلاح إذا قررت». ثم يسأل: «إذا كان من علاقة أمنية بين أميركا وإيران، فهل تبقى أميركا قلقة إذا قامت إيران بتخصيب اليورانيوم؟ ربما تخفف علاقاتها الأمنية الوثيقة مع أميركا من توجهها ذلك».

أستوضحه: إن باكستان ترتبط بعلاقات أمنية مع أميركا، ولننظر إلى الوضع الخطير في باكستان التي تملك السلاح النووي.

في كتابه «لعبة القط والفأر» يكشف دالفر أن إدارة كلينتون قررت إدارة المشكلة في العراق لأنه لم يكن ممكنا حلها. كلينتون أراد احتواء العراق، لهذا كانت المقاطعة. يقول: «الآن قد تعتقد إدارة أوباما بأن إدارة المشكلة أفضل ما يمكن أن نفعله في إيران، لكن إذا كانت هذه في طريقها إلى تصنيع السلاح النووي، فلا وقت لدينا إذا كنا نركز فقط على المشكلة النووية. ثم إن إسرائيل تردد أنها لن تعيش مع مثل هذا الخطر، وقد لا يكون من خيار أمامها (...) لكن إذا أقدمت إسرائيل على عمل عسكري فالأفضل أن تكون جاهزة لتبعاته».

في الكتاب يروي دالفر عدد المرات التي لا تحصى التي أخطأ فيها صدام حسين بحساباته بالنسبة إلى ردود الفعل الأميركية. يقول لي: «إن صدام كان (أستاذا) في إساءة تقدير الحسابات، ويعتقد الآن أن الإيرانيين قد يخطئون في حساباتهم بالنسبة إلى ردود فعل أميركا وردود فعل إسرائيل». يكرر أن هناك فرقا بين العراق وإيران، فصدام لم يكن يهتم بأخذ رضا الشعب العراقي: «أعتقد بأن هذا غير موجود في إيران، لكن إيران تلتقي مع صدام بتصوير أميركا العدو الأول، والسبب في رداءة الاقتصاد». ويضيف: «من السهل على إيران أن تخطئ في حساباتها بالنسبة إلى أميركا وبالنسبة إلى المدى الذي تضغط به على إسرائيل، وقد تحصل على نصائح غير صحيحة من الصين وروسيا. لكنني أتخوف، بسبب ضيق الوقت، من أن تضغط إسرائيل على أميركا. هناك عدة دول قد تتقصد دفع أميركا للإقدام على خطوات لا تريدها. روسيا مثلا قد تجبر الرئيس أوباما على اتخاذ موقف لا يريده بالنسبة إلى الصواريخ الباليستية».

يروي دالفر في كتابه تفاصيل الدور الخطير الذي قام به أحمد الجلبي بالنسبة إلى غزو العراق، ورغم أن الرئيس بوش أصدر مذكرة رسمية يمنع بموجها تسليم الحكم في العراق بعد الإطاحة بصدام حسين، لأحمد الجلبي، فإن فريق المدنيين في وزارة الدفاع كانوا مأخوذين بالجلبي، وأصروا على نقله إلى العراق وكأنه الفاتح.

أسأل دالفر: هل تعتقد بأن إدارة أوباما في حاجة الآن إلى أحمد جلبي إيراني؟

يجيب: «لا أعتقد ذلك، رغم أن الجلبي العراقي يمضي معظم وقته الآن في إيران. لا أحد في واشنطن يتكلم عن تغيير النظام في إيران، إننا نشجع على تطور الوضع هناك، الكل ينتظر الانتخابات، فإذا فاز غير أحمدي نجاد فقد يتقلص التوتر. لا يمكن التخلص من شخص واحد في إيران ليتغير الوضع كما تم في العراق، ثم إن واشنطن تعلمت الدرس من غزو العراق. مشكلة أميركا أنها قررت تصديق الجلبي لكن لديها الآن معرفة عن الداخل الإيراني، وإن كانت غير كاملة، أفضل مما كان لديها عن العراق. سمحت واشنطن للرسميين الأميركيين بفتح اتصالات مع الإيرانيين، ثم هناك الكثير من الإيرانيين في أميركا، وهم على اتصال بإيران، وهذا مهم جدا.

يكشف دالفر في كتابه عن فكرة طرحها عليه مارتن انديك عام 1993 تتعلق بالعراق عندما رسم خطين متوازيين بالنسبة لسياسة أميركا، الأول يشير إلى دعم صدام، والثاني يدعم الحصار. في ذلك الوقت كانت إدارة كلينتون تفكر بإدارة المشكلة العراقية على أمل أن الوقت سيعمل لمصلحة الإدارة. يقول: «الآن الإدارة مهتمة بالتحاور مع سورية لأن لها علاقات مع إيران، فقد تقنعها بالتصرف بطريقة أخرى. لكننا ننتظر نتائج الانتخابات في لبنان وما إذا كان نفوذ كل من إيران وسورية سيزداد فيه، وما سيكون تأثير ذلك على الوضع السوري في لبنان وعلى الموقف الإيراني».

وأسأله أخيرا: هل تعتقد بأن إدارة أوباما قد تشعر بأن عليها التعامل مع إيران حسب السياسة التي أوصلت الرئيس ريتشارد نيكسون إلى الصين؟

يجيب تشارلز دالفر: «قد نصل إلى هذا الحد. إن احتمال تطبيع العلاقات وارد لدى أوباما، لكننا لا نعرف فيمَ تفكر إيران. إن البيانات الصادرة هناك لها علاقة بالانتخابات المقبلة. ما نلاحظه أن الحرس الثوري صار ثريا، لم يعد أفراده شبابا، ولم يعودوا يهتفون من فوق سطح السفارة الأميركية في طهران: (الموت لأميركا)».