عائلة أنانيا 

TT

من بين الاكتشافات الأثرية المهمة والأسرار التي باحت بها رمال مصر، الكشف عن أرشيف غني من البرديات الآرامية في منطقة إلفنتين بأسوان، يرجع إلى أواخر القرن السادس والقرن الخامس قبل الميلاد، ويحوي هذا الأرشيف من البرديات معلومات مهمة عن الجالية اليهودية التي عاشت في تلك المنطقة، وكُتبت آدابها ومعاملاتها اليومية باللغة الآرامية على أوراق البردي المصري. وتؤكد هذه البرديات على حياة السلم التي عاشتها هذه الجالية مع المصريين تحت حكم ملوك مصر في ذلك الوقت المعاصر لحكم أواخر الأسرة 26 الفرعونية، والأسرة 27 الفارسية. ولم يكن هناك اضطهاد، بل عاش الجميع جنبا إلى جنب، يعبدون آلهة مختلفة، دون خلاف.

ومن أجمل الكتب التي تناولت هذه البرديات، كتاب قليل الصفحات، عظيم الأهمية، ألفه إدوارد بليبرج الذي أعرفه جيدا منذ أن كان أستاذا بجامعة ممفيس بأمريكا. ويضم الكتاب ترجمة لثماني برديات من أرشيف عائلة يهودي يُدعى «أنانيا»، وكان موظفا بالمعبد الذي يقع بجزيرة إلفنتين، وزوجته «تاموت» جارية تزوجها أنانيا، وأنجب منها أولادا، وأعتقها سيدها المصري بعد ذلك هي وابنتها من أنانيا. والبرديات تضم عقد الزواج، وما به من شروط يلتزم بها الزوج والزوجة أثناء الحياة الزوجية، وكذلك في حالة حدوث الطلاق. وهناك أيضا عقد شراء لمنزل، وملكيته لأنانيا وزوجته، وأيضا عقد الإعتاق لـ«تاموت» وابنتها. حدث في أحد الأيام أن قام أنانيا باقتراض جوالين من قمح الشعير من أرمني متمصر، ويحمل اسما مصريا، وسُجل هذا القرض في عقد، وبحضور شهود.. فلنقرأه معا:

في شهر تحوت (التاريخ المصري)، العام الرابع من حكم أرتا إكسركيس (التأريخ الفارسي)، الملك (في ذلك الوقت) في سيين (أسوان)، (ديسمبر 402 ق.م). أنانيا ابن حاجاي، ابن ميشولام، يهودي من الوحدة العسكرية لـ(نابوقدوري)، يقر لـ( باخنوم ابن بيسه الأرمني) من سيين التابعة للحامية العسكرية، قائلا «لقد أتيت إليك في منزلك في سيين لكي أقترض منك. ولقد أعطيتني جوالين وثلاثة صواع (ثلاثين ربعا) من قمح الشعير. ولاحقا، فأنا أنانيا ابن حاجاي سوف أدفع إليك جوالين وثلاثة صواع من الشعير من راتبي الذي سيُدفع لي من خزينة الملك. وإذا لم أدفع لك هذا الشعير المكتوب بأعلى عندما أتقاضى راتبي من خزينة الملك، حينها سوف أقوم أنا أنانيا بدفع غرامة بمقدار صقل واحد من الفضة. ولذلك، فأنا أنانيا سوف أدفع لك هذه الغرامة المذكورة بأعلى خلال عشرين يوما من تاريخ استحقاق رد القرض، وإذا مت، ولم أدفع لك ما أخذته منك، فإن أولادي والضامنين لي في هذا العقد سوف يدفعون الفضة المكتوبة بأعلى، وإذ لم يدفع هؤلاء؛ فإنك باخنوم سيكون لك الحق والقوة على أبنائي غدا، ويحق لك أن تأخذ لنفسك من المنزل الخاص بأبنائي ومن الخدم وأواني النحاس والحديد والملابس وكل ما هو موجود وينتمي إليَّ في إلفنتين، وفي سيين، أو المقاطعة، حتى تسترد المال المذكور والمكتوب بأعلى، دون أن تذهب إلى المحكمة.

شوهرام بن اشميرام بن إشميزبد كتب هذه الوثيقة في سيين، نقلا عن أنانيا بن حاجاي بن ميشولام. مناحم بن شالوم، وحاجاي رحوم بن بيسه، وحاجاي بن مردو شهدوا على هذه الوثيقة التي أملاها أنانيا بن حاجاي بن ميشولام لصالح باخنوم بن بيسه.

قد نتعجب أن هذا العقد الذي استلزم كاتبا وشهودا كان من أجل جوالين من الشعير. تُرى ماذا كان على أنانيا أن يعمل لكي يقترض مليارا أو مليارين من أحد البنوك؟!.