«خالتي لطيفة»

TT

كان اسمها «خالتي لطيفة». هذا هو اسمها كاملا. لم تحتج إلى اسم ثلاثي، أو إلى اسم العائلة، لأنها لم تغادر منزلها إلى مكان. لم تدخل مدرسة ولم تسافر ولم تغادر القرية حتى إلى بيروت. سافر جميع أشقائها إلى أميركا وتركوها على عتبة البيت. هي وعنوستها الأزلية. وكانوا يرسلون إليها الرسائل وتكاليف المعيشة، لكنهم لم يرسلوا في طلبها. لقد خلقت لكي تمضي حياتها على العتبة، عند مدخل القرية، تراقب الناس تجيء وتروح، تستقبل الفصول وتودع الفصول، تستقبل الفجر وتستقبل الغروب، وحيدة في عالمها الموحش، النائي، الخالي من معالم الحياة.

ناداها الجميع «خالتي لطيفة» احتراما لسنها وتعزية لها على خلو دنياها من الأقرباء. وارتضت من عمرها بالتحية تلقى عليها من بعيد. يسألها المارة كيف حالها من دون أن ينتظروا الجواب، لأن حالها لم تكن تعني أحدا. خلقت لكي تكون وحيدة. وجه بلا ملاحة، وقامة بلا قامة، ومنديل على رأسها لا يتغير. بلا ملاحة كانت «خالتي لطيفة»، وقد تعودت على وحدتها وعاشت مع الناس من بعيد، يلقون عليها التحية برتابة فظيعة، وأحياناً ينسون. وقد اعتادت ذلك أيضاً.

الشبه بين «خالتي لطيفة» وبين الاسكتلندية سوزان بويل، مذهل ومفزع. لكن الآنسة بويل تركت عتبة البيت، وذهبت إلى برنامج الهواة في لندن تغني. وعندما رآها أعضاء لجنة الجائزة، ضحكوا في داخلهم ضحكة مجلجلة. ماذا يجيء «بخالتي لطيفة» إلى هذا المسرح المليء بأجمل البنات وأجمل الأصوات. وسألها رئيس اللجنة بكل فظاظة أمام الملايين، ماذا جئت تفعلين، فأجابت «خالتي لطيفة» بكل هدوء أنها جاءت تغني. ثم غنت. ثم سحرت القاعة. ثم سحرت العالم. ثم دمرت كل الأرقام القياسية في أعداد المعجبين حول العالم. وعندما سألها لاري كنغ إن كانت ستغير شيئا في شعرها الخفيف أو في جسمها البدين أو في أسنانها الفالقة، قالت «خالتي لطيفة» إنها سوف تبقى كما هي. عمرها 47 عاما «خالتي لطيفة»، لكنها تبدو في السبعين. وفي هذه العنوسة البادية حنجرة سحرت العالم. وفي ثلاثة أيام أصبحت الهاوية الخائفة من الامتحان إحدى سيدات الغناء في الغرب.