الموقف العربي المطلوب لاستكمال ما تحقق بخطوة ثانية

TT

إنها بداية ولكنها بداية ستكون واعدة إن تواصلت الجهود بهذا الزخم وبهذه الطريقة فالتقديرات التي ترتقي إلى مستوى المعلومات تشير إلى أن بصيص ضوء فعلي، بالنسبة لما هو مطـروح لحل أزمة الشرق الأوسط، بات يلوح في نهاية النفق المظلم وأن الزيارة الأخيرة التي قام بها العاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين باسم العرب كلهم إلى الولايات المتحدة قد حققت النجاح المنشود، وأنه تم الاتفاق مع الرئيس باراك أوباما وأركان إدارته على تصور ستجري بلورته ليكون خطة تنفيذية لأهم ما تضمنته مبادرة السلام العربية.

كان الإسرائيليون عشية هذه الزيارة، التي جرى خلالها إيصال وجهة نظر العرب وفقاً لمبادرتهم التي حملها معه العاهل الأردني إلى واشنطن مرفقة بإيضاحات جرى الاتفاق عليها خلال اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الذين اجتمعوا في عمان لهذه الغاية إلى كل مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة، قد لجأوا إلى المزيد من التصعيد وأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان قد واجهوا الموفد الأميركي جورج ميتشل خلال زيارة إسرائيل في آخر جولة له في هذه المنطقة بتشدد وصل حد الإساءة وبشروط تعجيزية من بينها أنه على الفلسطينيين قبل إطلاق المفاوضات المنشودة أن يعترفوا بالدولة الإسرائيلية كدولة للشعب اليهودي.

لكن ما إن وصل الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن حتى بدأ الإسرائيليون بالتراجع عن مواقفهم السابقة، حيث أعلن نتنياهو تخليه عن شروطه السابقة وقال إنه يريد اعترافا فلسطينياً بيهودية الدولة الإسرائيلية ليس قبل انطلاق المفاوضات المنتظرة وإنما كنتيجة لها، وحيث لم يعد ليبرمان يردد هذيانه العنصري وتصوراته الجهنمية وكل هذا بينما طغى على الموقف الإسرائيلي الرسمي موقف وزير الدفاع ورئيس حزب العمل إيهود باراك وموقف رئيس الدولة شمعون بيريز أي القبول بحل الدولتين وإظهار المزيد من التفهم لمبادرة السلام العربية.

لم يعد بنيامين نتنياهو، بمجرد وصول العاهل الأردني إلى واشنطن والبدء بلقاءاته المكثفة مع رموز صنع القرار في الولايات المتحدة تمهيداً للقائه التاريخي بالرئيس أوباما الذي هناك إجماع دولي على أنه كان مميزاً ومثمراً وأنه أسس لمرحلة جديدة واعدة في العلاقات العربية ـ الأميركية، يتحدث عن عملية السلام بالطريقة السابقة وهو وللمرة الأولى غدا يتعاطى بإيجابية مع حل الدولتين ولكن مع الإصرار على أن يأتي هذا الحل في إطار الاتفاق على تصور شامل لمستقبل معادلة الشرق الأوسط وعلى أساس الحد من نفوذ إيران وحلفائها في هذه المنطقة.

وبالطبع فربما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد تخلى عن مواقفه السابقة وبات يتحدث بإيجابية عن حل الدولتين لكن، في إطار تصور شامل لمستقبل المنطقة وفي إطار موقفٍ فعلي موحد من موضوع قدرات إيران النووية، من قبيل المناورة ومن قبيل إلزام الأميركيين بالتخلي عن هذا الانفتاح «المزعج» الذي بدأته الإدارة الأميركية الجديدة مع طهران والذي وصل خلال أقل من ثلاثة شهور إلى حد إجراء محادثات سرية بين مسؤولين إيرانيين ومسؤولين أميركيين من الوزن الثقيل في إحدى الدول الأوروبية يسود اعتقاد بأنها سويسرا.

لكن ورغم هذا التصور فإن مما يعني أن هناك شيئاً جديّاً تجري بلورته بالنسبة لاستئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية والبدء بالتعامل مع عملية السلام وفقاً للمبادرة العربية أن شمعون بيريز الذي يبدو أن الإسرائيليين قد عقدوا له لواء التعاطي مع هذه المسألة مرة أُخرى، تجنباً لأي صدام مع الأميركيين وتلافياً لأي مواجهة مع المجتمع الدولي، عاد للترويج لتلك السياسة التي كان اتبعها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين في بدايات تسعينات القرن الماضي والتي عنوانها أن مواجهة الخطر الإيراني الداهم تقتضي التوصل إلى حلٍّ عاجل مع العرب والفلسطينيين، وأنه لإطفاء بؤر التوتر في هذه المنطقة التي يستغلها الإيرانيون لتحقيق تطلعاتهم الإستراتيجية في هذا الإقليم لابد من الاعتراف للشعب الفلسطيني بحق تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة. وهنا فإنه لابد من الإشارة إلى أن هذه الحكومة الإسرائيلية التي أوحى تشكيلها بالطريقة التي تشكلت فيها بأن السلام لم يعد وارداً لا الآن ولا في المدى المنظور قد باشرت بإرسال رسائل شفوية وربما مكتوبة إلى واشنطن وإلى عدد من العواصم الغربية والعربية تقول فيها إن مقتضيات الاستمرار بعملية السلام هي التي استدعت تشكيل حكومة تضم هذه الأحـزاب المتطرفة، وأنه كما أن أول حكومة يمينية إسرائيلية، التي هي حكومة مناحم بيغن، هي التي أنجزت اتفاقيات كامب ديفيد المعروفة مع مصر فإن حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو وتضم واحداً مثل أفيغدور ليبرمان هي القادرة على إقناع الشعب الإسرائيلي بحل الدولتين وقيام حكومة فلسطينية مستقلة إلى جانب الدولة العبرية.

والواضح هنا أن زيارة مدير المخابرات المصرية عمر سليمان الأخيرة إلى إسرائيل تأتي في هذا الإطار وأن زيارة بنيامين نتنياهو إلى القاهرة التي من المفترض أن تسبق زيارته المقررة إلى واشنطن سوف ترسم التصورات العامة للحل الذي يجري الحديث عنه والذي سيضع مسألة قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب الدولة الإسرائيلية في إطار واحد يضم التصور المستقبلي لمعادلة الشرق الأوسط خالية من الرقم الإيراني ومن حلفاء جمهورية إيران الإسلامية.

لقد تحقق إنجاز فعلي وحقيقي خلال زيارة الملك عبد الله الثاني الأخيرة إلى واشنطن، وهناك الآن تحركات في اتجاهات مختلفة لبلورة طبيعة الخطوة اللاحقة التي من المفترض أن تتم بسرعة ومن دون تأخير لوضع ليس الخطوط العامة وإنما التفاصيل الدقيقة لخطة السلام المنشودة المستندة إلى مبادرة السلام العربية وإلى القرارات الدولية ذات الصلة وأولها القرار رقم 242 والقرار رقم 338 ثم اتفاقيات أوسلو وخارطة الطريق وتفاهمات أنابوليس التي يعتبرها اليمين الإسرائيلي أم الكبائر والشر المستطير!

يجب الحفاظ على قوة الدفع حتى لا يصاب الأميركيون بداء «الزهق» والفتور ويجب الحفاظ على هذا الإنجاز الذي تحقق والبناء عليه بسرعة وبدون تأخير وهذا يستدعي اجتماعا جديداً لوزراء الخارجية العرب، الذين حضروا اجتماع عمان الأخيرة ومعهم الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، ويستدعي أيضاً قمة عربية مصغرة، إن ليست هناك إمكانية لقمة موسعة، يحضرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والعاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين والرئيس حسني مبارك.. ومن يرى أن مشاركته ضرورية من القادة العرب. إذا لم تستكمل الخطوة الهامة الأخيرة التي قام بها العاهل الأردني، حيث حمل مبادرة السلام العربية إلى واشنطن مرفقة بتصورات ذات طابع تنفيذي فإن هذا الإنجاز الذي تحقق سيذهب هباءً وأدراج الرياح وأن هذه الفرصة التاريخية السانحة فعلاً وحقيقة ستضيع كما ضاعت فرص سابقة كثيرة بسبب عدم تقدير الموقف التقدير اللازم وبسبب عدم وجود مجموعة طليعية على مستوى القيادة تستمر بالتحرك ولا تتوقف حتى وإن تصدى لها الذين استمرأوا سياسات الشد العكسي وعرقلة كل جهودٍ لا تخدم تطلعاتهم وتصوراتهم الشخصية.

لا يجوز التوقف على الإطلاق لأن التوقف يعطي قوى الشد العكسي في هذه المنطقة الوقت الذي تريده لالتقاط الأنفاس والقيام بهجوم معاكس لتشتيت الجهود ولخنق هذا الإنجاز الذي تحقق ويعطي إسرائيل الفرصة التي تريدها للتملص مجدداً من دفع استحقاقات السلام.. إنه على مجموعة الاعتدال التي تضم الدول الطليعية التي وقفت وراء هذه الخطوة الهامة التي أنجزتها زيارة الملك عبد الله الثاني الأخيرة إلى واشنطن أن تواصل ما كانت بدأته بكل عزم وقوة، وأنه عليها أن تدرك أن هناك عرباً أقدامهم في هذه الدائرة وعقولهم وقلوبهم والتزاماتهم في الدائرة الإيرانية وأنه لإنجاز الهدف المنشود لا يجوز إعطاء هؤلاء الفرصة التي ينتظرونها لإعاقة هذه المسيرة والعودة بها إلى مرحلة الشعارات الفارغة والتنظيرات والسفسطات القاصرة.