عولمة المرض..

TT

العالم على موعد مع مرض جديد، فجأة وبلا مقدمات تحولت أنفلونزا الخنازير إلى الشغل الشاغل والهم الأول للناس. نشرات الأخبار والصحف اليومية تحول العنوان الأول فيها إلى خبر إنفلونزا الخنازير. مرض خرج خبره من المكسيك بين ليلة وضحاها بدأت ضحاياه تنتشر لتصل إلى الولايات المتحدة الأميركية وبعدها إلى بريطانيا وتلا ذلك كوريا الجنوبية وإسبانيا وبلجيكا وإسرائيل. وهذا الانتشار السريع والمذهل له علاقة مباشرة بحال «العولمة» الذي بات عليه العالم اليوم، فسرعة انتقال المعلومات وبالتالي معرفة أعراض المرض وظواهره مع تعدد وسائل السفر السريع وتمكن التنقل من كافة أركان الأرض في وقت قياسي، ما كان حادث مرض في المكسيك وحدها تحول إلى أزمة صحية عالمية في الخمس قارات. وهذه ليست التجربة العالمية الأولى في التعامل مع مرض فتاك وغامض، فالذاكرة لا تزال حية وملمة بما حدث مؤخرا مع مرض السارس وإنفلونزا الطيور وهما اللذان لا يزالان حتى هذه اللحظة يحصدان أرواح الضحايا وخصوصا إنفلونزا الطيور.

وفي العالم العربي هناك خوف من تفشي المرض بشكل فجائي وكبير، وخصوصا أن مزارع الخنازير موجودة في مصر والأردن ولبنان وسورية وفلسطين والعراق، وهناك أرتال من البشر تعيش حول تلك المزارع وتعمل على رعايتها، وحركة الناس من هذه الدول إلى غيرها ليست بالشكل المقيد والمحكم الذي قد يمنع انتشار المرض واستفحاله. والمخاوف محقة في التشكيك في قدرة الأجهزة الصحية الموجودة في العالم العربي على التعامل مع الأمراض الكبرى المخيفة، لأن الطريقة التي يتم التعامل الأولي فيها مع المرض هو التطمين والوعود والتصريحات الوردية دون إطلاق حملات توعية ولا إعداد مراكز تلقي الحالات وإعداد الكميات المتوقعة من الأدوية والأمصال. الفجوات الزمنية بين الأمراض «العالمية» الكبرى باتت أقل وأشد حدة في أثرها ونتائجها، وبالتالي هناك سؤال مهم يجب أن يطرح: هل لا بد أن يلجأ العالم إلى مركزية الحلول في المشاكل والأزمات الصحية الكبرى وأن تتولى منظمة الصحة العالمية مسؤولية العلاج والإشراف والمراقبة وعدم ترك المسألة لوزارات الصحة التي يتفاوت الأداء بين الواحدة والأخرى، وبالتالي هناك أيضا تفاوت هائل في فعالية التعامل مع الأزمة ووقتها ونتائجها، وهذه مسألة لا تتحمل المجاملات ولا أنصاف الحلول لأنها تتعلق بحياة الناس وأرواحهم. أعراض الإنفلونزا العادية وإنفلونزا الطيور والآن إنفلونزا الخنازير ظاهريا وفي الانطباع الأولي بها تشابه غير بسيط وبالتالي عدم وجود الجاهزية للتعرف على المرض كتشخيص أولي من الممكن أن يؤدي إلى الاستهتار بمرض فتاك يحصد ضحاياه بالعشرات في أيام معدودة. منظمة الصحة العالمية رفعت درجة التأهب إلى المرحلة الرابعة (من ست مراحل قصوى) مما يعني أن المسألة باتت على وشك أن تتحول إلى وباء عالمي لا يمكن التعاطي معه بخفة أو التقليل من شأنه بأي حال. جاهزية وزارات الصحة العربية ستعرض لامتحان عنيف من جديد وتكون في مواجهة العالم وفي مواجهة مواطنيها. كل الأمل أن ترتفع الجاهزية والمسؤولية إلى مستويات جديدة تليق بهذه المواجهة المخيفة. العالم يراقب الأداء والمواطن ينتظر الدواء وبينهما تقع الأمانة.

[email protected]