الوحدة الوطنية مساواة وطنية

TT

توقفت عن متابعة أحداث اليمن كصحفي حين أعلن الرئيس علي عبد الله صالح ذات يوم انتخابي أنه لن يطلب التجديد في المرة المقبلة. يومها كتبت في هذه الزاوية إن الرجل لن يعدم ذريعة العودة عن الوعد (وليس القرار) وأنه سوف يفوز عندما يحين الموعد بمائة في المائة ملطفة ومنفتحة وعليها رشة ديمقراطية وحسم يقارب العشرة في المائة على الأقل، إكراما للإعلام الخارجي. أما الإعلام العربي فقد سلم أمره لله، واستسلم لإعطاء رئاسة البرلمانات العربية لمندوبة برلمان الجماهيرية العظمى.

كتبت مرة من نيويورك، وأنا برفقة صديقين عزيزين، محسن العيني والراحل عبد الله الاشطل، مبتهجا باقتراب الوحدة اليمنية. كنا نتوقعها وحدة عفوية تلقائية يتفق عليها في المحادثات وفي العقول وفي القلوب. لكنها ما لبثت أن قامت في الحرب وطائرات الميغ والإذلال. وبدل المصالحة أرسل زعماء الجنوب إلى المنفى، ينضمون إلى مجموعة لا نهاية لها من السياسيين العرب، الذين يكونون يوما في أعلى الهرم ويوما في أعلى العمود.

لماذا استعجال مطلب شرعي كالوحدة بمثل هذا العنف؟ ثم حدث ما هو أسوأ؟ وعفوا على هذه الصراحة، حدث أن أهل الجنوب شعروا بشيء من التمييز في الدولة الجديدة. والمؤسف أن اليمن ليست ألمانيا التي صرف غربها على شرقها 500 مليار مارك لكي لا تنفر الوحدة القادمين الجدد.

دعوات الانفصال هي أبشع الدعوات وأخطرها. لكن شكاوى الجنوب لا تعالج بالقوة أيضا. وليس من ضرورة لدارفور أخرى يرسل إليها رئيس الدولة الجِنجاويد وبعد اتساع الجرح يذهب إليها محبا وحانيا. لا تتركوا أزمة الجنوب تتسع لأن أبواب التدخل الخارجي سوف تفتح على مداها. واليمن ليست دولة عادية في المنظومة العربية ولا دولة هامشية. ويجب ألا تؤخذ المسألة على أنها تمرد معزول في منطقة متذمرة. الذي لا بد أن يحصل هو أن تعقد اليوم المصالحة الوطنية التي تجاهلتها صنعاء بتعال بعد نهاية الحرب. لا تعيش وحدة قائمة على الشعور بالغبن والهزيمة. والمصالحة الحقيقية وحدها تمنع حيتان الخارج من العبث بالمشاعر والمطامح. ويرجى من الأخ القائد أن يتذكر دوما مكان اليمن عند العرب وليس فقط عند اليمنيين.