ما وراء التصفيق

TT

هلل حزب الله كثيرا لإطلاق سراح الضباط الأربعة، معتبرا أن قرار المحكمة الدولية جاء منصفا وبمثابة الانتصار. وعلى الجانب الآخر ضرب الإحباط من كانوا تواقين لرؤية أي شخص يعاقب على خلفية الاغتيالات بلبنان، فكيف يمكن قراءة ما حدث؟

يبدو ومن خلال المعطيات الأولية أن قرار المحكمة الدولية بإخلاء سبيل الضباط الأربعة قد جاء ليخلط الأوراق من جديد في لبنان، ويضع المعارضة، وحزب الله تحديدا، تحت ضغط جديد، مما يوحي بمتحولات كبرى، قد تؤزم أوضاع لبنان والمنطقة.

الصوت العالي الذي لاحظناه بعد قرار الإفراج عن الضباط الأربعة يوحي بأن حزب الله، والمعارضة، قد أدركوا أنهم وقعوا في الفخ، لأن احتفاليتهم الكبرى تعني أنهم اعترفوا ضمنيا بالمحكمة، وأقروا بأنها ليست مسيسة. وهذا يعني أنه سيكون من الصعب عليهم الطعن بالمحكمة مجددا إذا عادت وطلبت أحد الضباط الأربعة، أو ذهبت إلى الأعلى، في اتجاه الضاحية، وهذا مأزق حقيقي لكل من حاول بالأمس التشكيك في المحكمة.

وعندما نقول الضغط فها هو حزب الله في معركة تكسير عظام مع مصر، خصوصا أن القاهرة لن تنهج الأسلوب اللبناني في هذه المعركة على طريقة لا غالب ولا مغلوب، بل ستعالجها على طريقة «لكي لا تتجرأوا مرة أخرى» وهذا هو الأسلوب الأنجع.

الأمر الآخر أن قرار الإفراج عن الضباط الأربعة لن يكون مفيدا لحزب الله والمعارضة في المعركة الانتخابية القادمة في لبنان، فمن هو مع الحزب والمعارضة سيبقى معهم، لكن المحبطين من الطرف الآخر، والمترددين سيقولون كلمتهم، وقد يقول قائل: كيف؟

كل من رأى احتفائية حزب الله، وسمع ما قاله جميل السيد، سيفكر جديا بشعارات المقاومة المزيفة، وسيتوقف مطولا أمام قول وليد جنبلاط «رأينا بالأمس المشهد البشع لرموز نظام الوصاية السوري، كيف خرجوا فجأة من صمتهم وذكرونا بأيام الاستعباد». وبالتالي فإن ذلك سيكون بمثابة المحفز للمحبطين، والمترددين، ليحسموا أمرهم في الانتخابات القادمة، من خلال التصويت للأكثرية، وهذا أمر تستشعر المعارضة، وحزب الله خطورته، فحزب الله لا يراهن على الانتخابات بقدر ما هو يريد ضمان عدم إضعاف سلطته.

ولذا فإن ما حدث لم يضرب الأكثرية، بل شاهدنا، وبعد إطلاق سراح الضباط الأربعة، سعد الحريري ووليد جنبلاط، رغم كل ما قيل من قبل، في موقف يشي بأن لا فراغ بين الصفوف في الأكثرية، وهذا ليس كل شيء.

كما أن هناك أمرا لافتا لا بد من ملاحظته هنا، وهو عدم اشتراك السيد نبيه بري، زعيم أمل، في عرس الضباط الذي قاده حزب الله، حيث بات واضحا أنه التزم الصمت حيال تلك الاحتفالية الصاخبة. ونبيه بري ثعلب سياسي لا شك، فمن الواضح أنه يقرأ جيدا التحركات السورية، وردود الفعل عليها غربيا، ويدرك أهمية الحفاظ على مصالحه الانتخابية، وهذا بالطبع أمر متوقع، ولا ضير فيه.

فلبنان يمثل حالة سياسية مختلفة، فعادة ما تسعى الدول ذات الأعراق المتنوعة إلى فن التعايش، بينما في لبنان الجميع يسعى إلى فن البقاء.

[email protected]