«قلم رصاص»

TT

الله يعرف ما هي مكانة الزميل حمدي قنديل، عندي، والجميع يعرف كم أكرمني وكم أغدق عليَّ في برنامجه «قلم رصاص» وفي تصريحاته الصحفية. لكنني دائما قلق على وضع حمدي قنديل، وبسببه قلق أيضا على زوجته العزيزة ونجمتنا نجلاء فتحي. ذلك أن حمدي كلف نفسه مهمة صعبة ومعقدة قليلا: إعادة الناصرية ولو من دون عبد الناصر. الإخلاص للمبادئ جميل. ويزيد في جماله أنه شديد الصعوبة، خصوصا في عالمنا هذا. وقد نقل حمدي الناصرية معه إلى تلفزيون دبي، حيث كان برنامجه ألمع البرامج وأكثرها شعبية. وعندما أساء إلى العلاقة بين مصر والإمارات، توقف البرنامج. ومن دبي انتقل هو وبرنامجه إلى التلفزيون الأخضر في ليبيا. وفاته أن أمانة القومية العربية أغلقت وحلت محلها أمانة الوحدة الأفريقية العظيمة. لكنه اكتشف أن مصالح الدول لا تتوقف لحظة عند الأفراد، وعلاقات الدول لا تأخذ الشعر في الاعتبار. ومرة أخرى أوقف «قلم رصاص». ولا أدري أين سيبحث حمدي عن الناصرية من هناك.

المشكلة أن الزملاء المصريين الكبار يخلطون بين الحنين إلى الناصرية وبين الإساءة إلى مصر اليوم. وبعضهم يدري وبعضهم لا يدري أنه جزء في معركة سياسية إقليمية لا علاقة لها إطلاقا برومانسيات الماضي، وإنما هي ذات أهداف في الحاضر والمستقبل. والحرب حرب أنظمة وسباق إلى السيطرة وحرب بقائيات. ولم يعد عبد الناصر بعد 38 عاما سوى ذريعة تجتذب جيلا من الناس لم يعد له مكان. فالجيل التالي موزع الانتماءات بين أبراج نيويورك وعرس هيفاء وهبي و«ستار أكاديمي».

طبعا هذا شيء محزن للجميع. لكنها أمة أحزان منذ زمن طويل. ربما منذ أن اكتشفنا أن رجلا واحدا صنع النكسة العربية وأفسد الوحدة بين مصر وسورية هو عبد الحكيم عامر. وكان يخطر لي دائما ما دام المشير زعزع الوحدة وأساء إدارتها، فلماذا بقي هو نفسه ليقود الحرب على إسرائيل؟

ماذا يمكن أن نستعيد من التجربة الناصرية إذا لم يكن هناك عبد الناصر؟ نجاح الاشتراكية؟ صراعات مراكز القوى؟ إبعاد الضباط الأحرار ورفاق الثورة، الواحد تلو الآخر؟ النزاعات الدموية والباردة على مدى العالم العربي؟ نحو مائة ألف قتيل في اليمن؟ الحال الاقتصادية التي صارت إليها مصر؟ طبعا من المنكر نكران السد العالي والسويس وسواهما. لكن نصف قرن يفصلنا الآن عن الماضي. لماذا لا نبحث عن المستقبل في المستقبل. وفي كل حال تحية إلى حمدي.