في هذا اليوم بدأت رحلتي حول العالم!

TT

في هذه الأيام منذ خمسين عاما قمت بأطول رحلة قام بها كاتب أو صحفي حول الأرض استغرقت 228 يوما متصلة. خرجت من القاهرة إلى دبي إلى الهند إلى التبت وفيتنام وكمبوديا وسيلان (سري لانكا) وسنغافورة وإندونيسيا وأستراليا والفلبين وهونج كونج واليابان وهاواي وأميركا. وتمددت أياما للراحة على شاطئ الريفييرا الإيطالية، حيث الماء والهواء والوجه الحسن، وحتى مدينة بورتوفينو التي تغنت بها المطربة المصرية الإيطالية داليدا. قالت: وجدت قلبي فى بورتوفينو ردا على الأغنية الألمانية التي تقول: أضعت قلبي في هيدلبرج.

وأنا والله فقدته ووجدته وأضعته ووجدته وأوجعته وأوجعني.. وألفت كتابي (حول العالم في 200 يوم) وكان أكثر الكتب العربية انتشارا بشهادة اليونسكو. وقد ظهرت في الأسواق الطبعة الأربعون لهذا الكتاب. ولما حصلت بهذا الكتاب على جائزة الدولة في أدب الرحلات، وكانت أول جائزة من نوعها، رحت أقلب في صفحات الكتاب ووجدت الحرارة والحماس وانسياب الكلام والحيوية والشباب. ولكني وجدت أنه من الممكن، وقد اتسع وقتي، أن أعيد صياغته. وجلست أسبوعين كتبت فيهما 780 صفحة. وهي الطبعة الحالية لم أغير فيها حرفا منذ سنة 1964. ولا أعرف كيف استطعت أن أعيش وحدي في بلاد لم أرها من قبل.لا أعرف. ولا أعرف لماذا قررت أن أنام في الطائرات والقطارات توفيرا لتكاليف النوم في الفنادق. ولم أشتر شيئا واحدا. سوى أمواس الحلاقة والأقلام والأوراق. ولما عدت إلى مصر والدنيا كلها تعرف ماذا كتبت وماذا رأيت وماذا أثرت وأزعجت وأغضبت. فلم يكد رجل الجمارك يراني حتى تهلل: حمدا على السلامة فين شنطك يا أستاذ..

وكانت دهشته مذهلة. فلم يكن معي سوى حقيبة صغيرة بها ورق وأقلام.

فقلت: هذه.

قال: معقول؟ أنا فاكر أنك راجع ومعك عشرون شنطة. معقول!

لقد كان همي أن أرى وأسمع وأعايش وأكتب وبس. وهذا ما حدث. ولم يكن كتابي هذا هو الوحيد في أدب الرحلات، وإنما صدرت لي كتب عديدة. وبعد خمسة وعشرين عاما من هذه الرحلة التاريخية قمت برحلة حول العالم من الناحية الأخرى: ابتداء من أوروبا وأمريكا إلى هاواي واليابان واستراليا..

هل تصدق أنني لم أكتب حرفا واحدا. فلم أر جديدا. والجديد الذي رأيته لم يحرك لي قلما ولا ورقا. لقد رأيت وسمعت وعشت وكتبت ما عندي. وقد رأيت كتابي هذا وعليه إهدائي وتمنياتي لكثير من المصريين في استراليا وكندا وأوروبا واليابان.. وتمنيت لهم أن يدوروا حول العالم مثلي دون ملل. آه لو عاد الزمان لحزمت حقيبتي الصغيرة وبدأت الدوران حول الأرض!