دبلوماسية أوباما غير الشجاعة

TT

بضعة عقود على كوكبنا هذا، تؤكد على التماثل بين الرجال في توجهاتهم إزاء الحب والحرب.

قد يكون من المرضي القول بأن هناك الكثير من النقاش حول الدول المتنمرة والصواريخ وما شابه ذلك من أمور. أما «الحديث الودي وحمل العصا الغليظة» فكان في كيفية صياغة تيدي روزفلت لسياسته الخارجية.

لذا، ركز المحللون في تقييمهم للزيارة الأوروبية الأولى لأوباما، كرئيس دولة، على ما إذا كان أوباما يتمتع بصفات الشجاعة حقا أم لا. وتساءل المحرر التنفيذي السابق لـ«واشنطن بوست»، بين برادلي، والكاتب ستيف بيرلستين، في مدونتهما عما إذا كان على أوباما «أن يغتنم الفرصة لإثبات قسوته، وأن يبرز سيفه كما يبرز ابتسامته».

لقد تحدث أوباما دون شك كرجل. لكن ما تساءلوا عنه بالفعل: هل قام أوباما بالأمر الصائب تجاه الدولة المارقة، التي تسبب المشكلات؟

يمكنكم أن تدعوني أم الأولاد، أو فرويد إذا ما أصررتم على ذلك. لكن هل الحياة معقدة ومرتبكة كما يصر القادة على ذلك.

لسوء الحظ، فإن غالبية تاريخ العالم يبدو متمحورا حول توازن أو عدم توازن الهرمونات، حيث يقدم التستسترون التحديات الكبرى. (أشير إلى ذلك كمعجبة). والأمر الذي قد يثبت أنه تطور تاريخي، هو أن أوباما يبدو مسيطرا على هرموناته جيدا. فهو لا يختال أو يعتد بنفسه حتى أنه لا يلاحظ ذلك التدفق.

وإذا كان جورج بوش راعي بقر، فإن أوباما محب لتشكيل مجموعات العمل، وقد قال إن علينا أن نظهر قيادتنا عبر الاستماع، وأن علينا أن نعمل في شراكة مع الآخرين، وأننا يجب أن نظهر بعض التواضع. وذلك بالطبع فحش خالص بالنسبة للنساء، لكن لسوء الحظ فإن النساء لا يحمين العالم، ولا يزال الرجال يقومون بذلك، ويجب علينا أن نبدي قلقنا من أن أوباما سينظر إليه على أنه ضعيف، ومن ثم تتعرض الولايات المتحدة للخطر.

ولأن العالم مكان كهذا، فإن علينا بالضرورة أن نقلق كذلك مما إذا كان أوباما سوف يرد بقسوة كافية عندما يتطلب الأمر ذلك. ويرجع ذلك إلى أن الأميركيين ما زالوا غير مدركين لحقيقة أوباما. فمنذ توليه مهام منصبه وهو يثبت في كل موقف ملمحا جديدا عن نفسه. نحن نعلم أنه لا يشعر بوخز الضمير، عندما يفصل رؤساء الشركات، لكن هل سيكون جريئا عندما تتنمر الدول المتمردة وتعرض قدراتها الصاروخية كما فعلت كوريا الشمالية؟

إذا كانت الحياة كملعب رياضي، فإن علينا أن نستنتج أن كيم يونغ إيل، بحاجة إلى بعض الاهتمام. وتقول وزيرة الخارجية الأسبق، مادلين أولبرايت، التي التقت كيم في عام 2000، إن ما يرغب به حقا هو الاهتمام. وما حصل عليه من أوباما كان ما حصل عليه تشيهوياهويا عندما ظهر جريت دان. وبعبارة أخرى فقد لعب أوباما الدور بهدوء شديد. فقد أدان بيونغ يانغ على تهديدها الاستقرار، وكرر التزامه بخفض الأسلحة النووية في العالم، لكنه تجاهل النتائج المحتملة بشأن ذلك.

وبالنسبة للكثيرين فإن أوباما كان هادئا، وقد أشار الاستطلاع الذي أجراه مركز راسموسين، إلى أن 57 في المائة من الأميركيين يرغبون في عمل عسكري ضد كوريا الشمالية (حرب أخرى وشيكة؟)، وقال جون بولتون السفير الأميركي السابق في الأمم المتحدة: إن أسلوب الرئيس يشكل «نوعا من القلق»، وهو عبارة مؤدبة للقول بأن أوباما «يتصرف بصورة أنثوية».

لكن هل كان أوباما هادئا فعلا؟ أم أننا لا نستمع؟ نعم لقد قال أوباما: إن «الولايات المتحدة ستقود الطريق نحو عالم خالي من الأسلحة النووية»، لكنه قال أيضا: إن «الولايات المتحدة سوف تحافظ على عالم آمن وترسانة فاعلة لإعاقة أي خصم وضمان ذلك الدفاع لحلفائنا».

سنكون عاقلين ونحاول أن نخلص العالم من الأسلحة النووية إلى الأبد، ولكن إذا ما هددنا أحدهم أو هدد حلفاءنا فسنكون قد تأخرنا كثيرا.

أليست تلك عصا غليظة؟ يمكنك أن تجبرهم عليها أو أن تهددهم بها.

إن إستراتيجية مد جسور الصداقة مع المسلمين، التي تبناها أوباما عبر زيارته لتركيا كانت ملهمة بصور مشابهة، فقد أوصل ذات الرسالة التي بعث بوش في عدد لا يحصى من المرات ـ أن الولايات المتحدة ليست في حرب مع الإسلام ـ لكن من دون ذكر بقية الجملة بأنك إما أن تكون معنا أو ضدنا.

لم يضر أوباما أن ذكر أن اسمه الأوسط حسين، أو أن يذكر أنه عاش في دولة مسلمة، وقد أشار بالقول «إنني أفهمكم، نحن لسنا أعداء».

الرجل الذي يستمع قد يفسر صمته بالضعف، من قبل أولئك الذين يلجأون إلى لغة التباهي في الكلام، لكن حكمة أرض الملعب تؤكد على أن التباهي عادة ما يلقى أكثر مما يستحق من الاستحسان، ولن يكون لدى الشخص القوي ما يمكن أن يثبته. وللإجابة على هذا السؤال الأصلي، فعندما تكون الكلب الأضخم، فإن بإمكانك الابتسام، وسوف يفهم المتنمر.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»