100 يوم رئاسة!

TT

لا أدري مَن صاحب فكرة تقييم الرئيس الأمريكي بعد مرور 100 يوم على توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. المؤكد أن هذا المعيار هو معيار إعلامي طرحته وسيلة إعلام ما، وأصبح أول فترة يقيم فيها الرئيس الأمريكي. لا أدري لماذا مائة يوم تحديدا، لماذا لم يكن تسعة وتسعين يوما، أو مائتي يوم بدلا من مائة يوم؟

هناك أرقام في ثقافات مختلفة لا يعرف الناس كيف بدأت. في الخليج يقول أحدهم للإجابة على سؤال عن أحواله الصحية بأنه «بخير وستين نعمة». لماذا «ستين» بالضبط؟ لماذا ليست إحدى وستين نعمة؟ أو مائة نعمة؟ ولماذا اتفق الناس على الستين للمبالغة؟

أهل الشام كرماء بطبيعتهم، ويكررون الترحيب بالضيف مرددين: «ميت السلامة» ـ أي مائة سلامة. مرة أخرى يتكرر رقم المائة ثانية، كناية عن السرور والفرح برؤية الضيف هذه المرة.

تكرر الرقم 77 في الشتيمة والسباب. كانت في حارتنا عجوز تشتم فلانا الذي يأتي لبيته سبعة وسبعين «سربوتي»، والسربوتي كلمة يستخدمها أهل الخليج لتعني «منحرفا»، وأظنها من الفارسية، ويرادفها في الشام كلمة «سرسري» المستعارة من التركية، والتي تعني العاطل عن العمل. لا أظن عجوز حارتنا عدّت زوار جارها «السربوتي» في نظرها بدقة، ولكنها تكرر الرقم 77 حين تشتم وتلعن: «يا ابن سبعة وسبعين كذا وكذا».

بالعودة إلى المائة يوم الرئاسية التي تناولتها وسائل الإعلام الأمريكية وتبعها الإعلام العالمي، بما في ذلك العربي، فإن استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة ما زالت تظهر رضا عن أداء الرئيس الجديد باراك أوباما. والحق أن الرجل قد قام بأعمال خلال المائة يوم الأولى غالبيتها ترجمة لوعوده الانتخابية: العمل على إغلاق معتقل غوانتانامو، والتحضير للانسحاب من العراق، ووقف تعذيب المتهمين من قبل أجهزة الاستخبارات، والانفتاح على العالم بسياسة «اليد الممدودة» التي صافحتها فنزويلا، وصَفَحت عنها ـ بتمنُّع الراغبات ـ إيران، ورحبت بها سوريا، وانتشت بها أوروبا.

لكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يضحك له الحظ كثيرا في فترة رئاسة المائة يوم الأولى، فبالإضافة للتركة الاقتصادية الثقيلة، فإن وباء حمى الخنازير ينذر بوباء، إذا ما تفاقم فإنه سيربك كل مشاريع وخطط الرئيس ويحول كل مقدرات البلاد للقضاء عليه.

ولعل سوء الحظ عربيا ـ أو بالأحرى شرق أوسطيا ـ تمثل في وصول يمين اليمين في إسرائيل إلى سدة الحكومة، وعلى الرغم من تكرار الرئيس ومبعوثه للسلام في الشرق الأوسط ـ جورج ميتشل ـ بأن أمريكا ستعمل على حل الدولتين لإنهاء الصراع، فإن إسرائيل وعلى لسان رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو ووزير خارجيته الأكثر تطرفا منه، يرفضون مسألة الدولة الفلسطينية من حيث المبدأ، مخالفين بذلك العالم كله، بما فيه حليفتهم الأهم ـ الولايات المتحدة الأمريكية.

قبل أيام، سألت مسؤولا أمريكيا سابقا عن ملف الشرق الأوسط: إلى متى وأنتم تتجنبون الضغط على الإسرائيليين والقول لهم بالفم المليان أن ينسحبوا من الأراضي العربية المحتلة والقبول بالدولتين لإنهاء الصراع ووقف الظلم على الشعب الفلسطيني؟ فقال لي: «نحن لا نجرؤ على استخدام كلمة (ضغط) على الإسرائيليين، بل نستخدم عبارة (محاولة جعلهم يفهمون TRY TO MAKE THEM UNDERSTAND)».

في القول المأثور إن من عاشر قوما أربعين يوما صار منهم، وأوباما عاشر دهاليز سياسة البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية ومراكز اتخاذ القرار مائة يوم، فهل أصبح منهم؟ أم أنه سيجرؤ على أن «يضغط» على إسرائيل لكي تفهم أن استمرار الاحتلال مستحيل، وأن السلام لن يحل دون حق الفلسطينيين في دولة مستقلة؟

لننتظر مائة يوم أخرى..