كأن شيئاً

TT

قبيل انتخابات الرئاسة الأميركية شاركت في نقاش مع عدد من الزملاء المعروفين حول النتائج المتوقعة وسياسات أميركا المقبلة. كان هناك إجماع على أن أميركا لن تنتخب، أو لا تجرؤ، على انتخاب رئيس أسود. وقد أصررت على أن المرشح الأسود سوف يفوز بأكثرية ساحقة معتمدا على ثلاثة: إرث جورج بوش، وضحالة جون ماكين، وسحر باراك أوباما.

وبعد ذلك بأيام ناقشت الحلقة نفسها من الزملاء سياسة أوباما إذا فاز. وبدأ سيل من المقارنات بين الديمقراطيين والجمهوريين والعهود السابقة. وقلت للزملاء الأعزاء، يا جماعة كيف يمكن أن نقارن ما فعله أيزنهاور أو كارتر بما سيفعله أول رئيس أسود في تاريخ أميركا؟ صحيح هناك الحزب. وهناك الكونغرس. وهناك المؤسسة. لكن في بلد مثل أميركا هناك الرئيس وأسلوب الرئيس. ونحن هنا أمام «رائد» من الرواد وأمام سابقة لا يمكن البناء على ما سبقها.

وقد ربحت الجزء الأول من الرهان. وأما أوباما والتاريخ فلا تزال المسألة في بدايتها. وبعدما كان العالم يشكك في فوزه، بل في ترشحه، ها هو يطلب منه جميع المعجزات دفعة واحدة وفي أسرع وقت ممكن. ولا ندري ماذا سيحقق الرجل، لكنه حتى الآن كان نفسه وليس أحداً من أسلافه. الذين شبهوه بجون كينيدي رأوه في أوروبا يحكي في السلم وسمعوا وزيرة خارجيته تمد يد الود إلى الروس. أما كينيدي فوقف في برلين الغربية يواجه السوفيات بحشد عسكري وبجملته الشهيرة «أنا من برلين؟» والذين قالوا إنه يشبه كلينتون رأوه يزيد الانخراط في حرب أفغانستان بدل الاكتفاء بقصف يشبه مفرقعات العيد. والذين قالوا إنه كارتر آخر، سمعوه يتحدث بلغة دبلوماسية إلى إيران، بدل أن يرسل إليها طائرات مجوقلة تسقط في الصحراء، مما يرغم قاضي الثورة الشهير، خلخالي، على أن يحمل بكل لطف وكياسة، أشلاء الجنود الأميركيين ليعرضها على الصحافيين.

طلب أيزنهاور من بريطانيا مشاركته في حرب فيتنام خوفا من هتلر آسيوي، فرفضت قائلة إن الزمن قد تغير. وطلبت منه بريطانيا مساندتها في عدوان السويس خوفاً من هتلر عربي، فاعتذر، قائلا إن الزمن قد تغير.

مع باراك أوباما نحن في زمن متغير. ودعونا من التاريخ. فقد قال فرانسيس فوكوياما إنه انتهى، ثم وقع 11 أيلول فقال وزير خارجية ألمانيا يوشكا فيشر إنه، التاريخ، عاد. وإذا هو عاد فعلا، فمثل عاشق نزار قباني: كأن شيئا لم يكن.