أحضنها وأقبلها وأموت!

TT

إحدى قريباتي تحولت إلى الديانة المسيحية. وقضي الأمر. وعندها أسباب نفسية واجتماعية وفلسفية. ولا يعرف أحد أنها في أحد أديرة إيطاليا إلا أنا وأمها التي لا تكف عن البكاء. وتربطني بها صلة قوية. وأزورها كلما استطعت إلى ذلك سبيلا. والكتب التي تحتاجها أبعث بها. ومن الغريب أنها تطلب كتبا في الاقتصاد والسياسة وكل مؤلفاتي..

ومن المألوف أن يغيروا اسمها من فاطمة مثلا إلى تريزا.. وأن يحلقوا شعرها. وأن تتعهد وتقسم ألا تفعل كذا وكذا. وكان استثناء صارخا أن أتحدث معها وأن أجلس إليها. أما السبب فهو علاقتي بعدد من الرهبان الفرنسيسكان في مصر وبعض الكرادلة الإيطاليين..

وجاءني خطاب حزين طويل. الورق بنفسجي والخط أسود والحروف أنيقة. ويبدو أن دموعا قد تناثرت هنا وهناك. والخطاب تقول فيه الأخت تريزا: ماما وحشتني. ومصر كلها. وليس بيدي ما حدث. وأريد أن أرى أمي وأخواتي وصديقاتي. قل لي ماذا أفعل؟!

أما أمها فهي تتمنى ذلك. وكان لا بد أن أجس النبض. فقلت أثناء عشاء: نفرض.. نفرض مجرد فرض أن فاطمة لم تنتحر كما قيل لكم.. وأقول نفرض.

وفى نفس واحد قالوا: مسيحية؟!

قلت: مسيحية.. يهودية.. هي حرة.

ـ كافرة.. مرتدة.. لا بد من قتلها..

ـ تستطيع أن تقتل أختك؟.. أو تبعث بمن يقتلها؟

ـ نعم. وبلا تردد. هل هي لم تمت.. هل عندك معلومات أخفيتها عنا..

ـ يا سيدي أنا أقول: نفرض فقط.. نفرض!

وفي لقاء آخر قلت لإخوتها: إن أختكم تعيش في إيطاليا. وأنا على صلة بها. وإن تغيير دينها هذا شأنها.. غلطتها.. أو قرارها وهي تتحمل ذلك.. وليست طفلة وإنما هي متعلمة وعلى أعلى الدرجات.. معها دكتوراه في الفلسفة وفشلت في أول تجربة حب لها.. وكانت صدمتها الكبرى. وقررت أن تترك دنيانا إلى دنيا أخرى. هذا شأنها. ولن تراكم وإن كانت تتمني ذلك! ولكن أمها تريد قبل أن تموت.. بل تراها وتموت بعد ذلك. قالت: أحضنها وأبوسها وأموت. والله لا أريد أكثر من ذلك. وربنا رب قلوب يغفر الذنوب. وابنتي كانت وحيدة حتى قبل أن تفكر في الزواج؟ أشوفها. ربنا يخليك.

وجاءت فاطمة ونزلت في بيت إحدى صديقاتها. والتقت بأمها في سيارة في منطقة بعيدة في الهرم. وكما أرادت الأم عانقتها وقبلتها وماتت. يرحمها ويغفر لابنتها ولنا أيضا.

وكانت جنازتها منذ أيام. وقالوا إن سبب الوفاة: سكتة قلبية!