100 يوم

TT

منذ أيام قليلة راقب المحللون السياسيون مناسبة مرور مائة يوم على تبوؤ باراك أوباما لمنصب الرئاسة الأمريكية. المائة يوم باتت فترة قياس لمراقبة نمط وأسلوب إدارة الرئيس الأمريكي وقراءة أهدافه وتوجهاته. وهي فترة تم استحداثها للمرة الأولى خلال فترة الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت. الشيء المثير أن فترة روزفلت في الحكم هي نفس الحقبة التي يجري مقارنة باراك أوباما بها، وتحديدا لأن التحدي الاقتصادي الذي واجه الرئيسين فيه الكثير من عناصر التشابه. فروزفلت مر بفترة الكساد الكبير، الذي كان أكبر كارثة اقتصادية تواجه المجتمعات الصناعية الغربية في العصر الحديث، وباراك أوباما يواجه حالة ذعر اقتصادي عالمي نتاج سوء إدارة الرئيس الأمريكي سيئ الذكر جورج بوش وفريق العمل الذي كان معه وكبد العالم خسائر فادحة. وفي استطلاعات الرأي التي أجريت لمعرفة آراء الناس في أوباما ونهجه الإداري أحرز «علامات» جيدة جدا وكانت درجات الرضا العام عن أدائه تفوق الـ61%، وهي إشارة مهمة جدا عن حجم الثقة والقناعة بشخصه وتوجهاته. باراك أوباما فتح مجموعة من ملفات كلها دفعة واحدة، وللآن لم «تنجز» لأن العمل لا يزال قائما عليها وبقوة وتركيز. ففي الملف الاقتصادي قدم مجموعة من الاقتراحات والحلول والتشريعات حركت الأسواق وأرسلت إشارات ورسائل مهمة عن أولويات إدارته وطريقتها في التعامل مع الأزمة، مما انعكس بالإيجاب على البورصات المالية وبعض الشركات وبعض الحلفاء، وإن كان هذا لم يترجم للحظة إلى تحسن ملحوظ في أرقام البطالة، والتي لا تزال مرتفعة ومتأزمة، مما يعكس العبء الاجتماعي لتلك الأرقام على الساحة السياسية. وهو يقوم أيضا بفتح ملف جريء وحساس، وتحديدا ملف التعذيب الذي كانت تقوم به وحدات الاستجوابات المختلفة، سواء كانت في سجون أبو غريب وغيرها، أو معتقل «غوانتانامو»، وهو إدانة شعبية للإدارة السابقة التي أحرجت بتصرفاتها الرعناء أمريكا ككل، وبات من المفروض تصحيح الصورة الذهنية وإعادة الأمور إلى الصواب بعقل وروية، وهذا ما يحاول عمله أوباما كما يبدو للآن. وكذلك يقوم أوباما بإرسال مجموعة من الإيماءات والرسائل لدول كانت تعرف بأنها في خانة الأعداء التقليديين. فمصافحة أوباما للرئيس الفنزويلي هوغو شافيز تركت انطباعا إيجابيا وضحت أن نهج بوش التصادمي قد ولى، وأن نهجا جديدا قد حل، يقوم على الاحترام وعدم الاستخفاف بالآخر وأخذ الوقت والجهد الكافي للتعرف على حقيقة الموقف وتقديره، ومن بعد ذلك يتم الإعلان عن السياسة المتبعة. في الشرق الأوسط، وللحظة، هناك ضبابية حول موقف أوباما من الإدارة المتطرفة المسعورة الجديدة التي حلت بإسرائيل وموقفها الرافض من عملية السلام، فهو أعلن بوضوح أنه لا يزال مؤمنا ومتمسكا بمبدأ الدولتين كحل أساسي للقضية الفلسطينية (وهو ما ترفضه إسرائيل من خلال إدارتها الجديدة وعلى لسان رئيس وزرائها ووزير خارجيتها). وأعلن أيضا أنه ماض في خطته لتقليص عدد قواته في العراق بجدولة واضحة حتى عام 2010 والتركيز على المعارك في أفغانستان، والتي قرر رفع عدد قواته المشاركة في الاقتتال هناك. بل أهم إنجاز استطاع باراك أوباما تحقيقه هو قراءة العالم والولايات المتحدة الأمريكية بصورة جيدة، وإدراكه أن هناك حالة من التوتر والنفور التام من سياسات سلفه جورج بوش، وأن العالم وبلاده باتا فعلا بحاجة إلى أن ترى وتسمع وتشعر بالتغيير، وهذا هو تحديدا ما كان حريصا على أن يقوم به، ولو كان التركيز الأول على الطريقة والأسلوب، لأن النتائج الختامية قد تأخذ المزيد من الوقت لاحقا. هناك رضا عن أداء أوباما حتى الآن، وهناك استعداد لمنحه حسن الظن ومعاونته على تحقيق النتائج الإيجابية المرجوة، ولكن العالم متعطش جدا للإحساس العملي بالنتائج بعيدا عن الوعود والحجج والتعقيدات، ولا توجد مسألة فيها هذا الكم الهائل من العناصر الشائكة أكثر من المسألة الفلسطينية. العرب سئموا من الانتظار والإحساس بالظلم جراء تعسف إسرائيل، واستهتارها بكل الاتفاقيات والقرارات والأنظمة والقوانين العالمية، وبالتالي أصبحوا ينتظرون الحل فورا.

[email protected]