تسييس إنفلونزا الخنازير

TT

أصيبت المكسيك بالإنفلونزا فعطس العالم كله، وانتشرت منها العدوى فوضعت الكرة الأرضية الكمامة، ورشح الأنف المكسيكي فأخرجت البشرية منديلها، وأصيبت نيومكسيكو بالصداع فبلع كوكبنا حبة البندول، وكنا نظن أن أمريكا بعد الأزمة الاقتصادية العالمية هي الدولة الوحيدة التي إذا أصيبت بالرشح سعلت كل دول الأرض، انتشى العالم بالعولمة وبكونه صار قرية صغيرة، وفاتهم أن هذه العولمة سكين حادة يمكن أن تقطع بها تفاحة ويمكن أن تجرحك بل تقتلك، وهذا ما جرى لقريتنا الأرضية الصغيرة المزهوة بعولمتها، فبعيد إعلان اكتشاف المرض في موطنه الأصلي ببضع ساعات اكتشفت حالات في كل القارات إلا أفريقيا، وليس لنا من بد عن تحمل تبعات القرية الكونية حلوها ومرها.

وكعادة العرب في تسييس كل شيء حتى الأمراض، لم تمر عليهم إنفلونزا الخنازير دون حشرها في دهاليز السياسة، أحدهم تعاني بلاده من قلاقل أمنية واضطرابات سياسية وضعف في السلطة المركزية وفساد ينخر في جنباتها، تندر من هذه الضجة العالمية على إنفلونزا خنازيرية لم يتعد المصابون بها المائة، وأعداد ضحاياها من الأموات ما برح دون العشرات، ومع ذلك نسي العالم إنفلونزا خطيرة لسباع بشرية في بلاده تعدت عدواها إلى الأبرياء فقتلت عشرات الألوف وسجنت أضعافها وشردت الملايين، ومع أن الفحوصات الإكلينيكية والمخبرية أثبتت أن إنفلونزا السباع البشرية قاتلة ومدمرة إلا أن منظمة الصحة العالمية وجميع هيئات الأمم المتحدة لم تحرك ساكنا، وعلى خلاف إنفلونزا الخنازير وإنفلونزا الطيور وجنون البقر التي تصيب فيروساتها الجنس البشري فقط، فإن إنفلونزا السباع البشرية لا تفتك بالبشر فقط بل تصيب الأموال العامة وخيرات البلاد ومقدراتها.

وزارات الصحة في الدول الموبوءة بإنفلونزا الخنازير توزع كمامات تغطي الفم والأنف لمنع انتشار عدوى، أما في بعض الدول النامية المصابة بإنفلونزا السباع البشرية، فالسباع هي التي تنشر كمامات على شعوبها، وقد صممت خصيصا لتغطية الفم فقط حتى لا تخرج منه عدوى السؤال أو الشكوى أو الاعتراض أو التظلم، والفرق بين إنفلونزا الخنازير وإنفلونزا السباع البشرية أن الخنازير هي الضحية فتعدم من أجل القضاء على الفيروس، أما السباع البشرية فهي الجلاد تجلد بإنفلونزاها شعوبها المظلومة، وعلى خلاف المصابين بفيروس إنفلونزا الطيور الذين يوضعون في الحجر الصحي، فإن السباع البشرية المصابة بالإنفلونزا هي التي تنشئ المحاجر للأصحاء والشرفاء والأحرار تزجهم فيها مدى الحياة، أو إلى حين الإعدام حتى لا تنتشر عدوى إبائهم وشجاعتهم ونفورهم من الضيم إلى الآخرين.

يتعجب بعض العرب عن سر التفاتة العالم أجمع إلى إنفلونزا الخنازير ولا يلتفت ولو لمرة واحدة إلى إنفلونزا السباع البشرية التي تملأ عددا من دول العالم الثالث، ويتساءلون: لماذا تتخذ بلدان العالم تدابير احتياطية ضد إنفلونزا الخنازير في المطارات والبحار والمنافذ الحدودية، بينما تشرع أبوابها ومنافذها الجوية والبحرية والبرية لسباع بشرية موبوءة بإنفلونزا قاتلة؟ ويحتار هؤلاء كيف تخرج الإحصاءات الدقيقة من منظمة الصحة العالمية عن عدد المصابين بإنفلونزا الخنازير ولا تصدر إحصاءات دقيقة عن المصابين بجرثومة إنفلونزا السباع البشرية في العالم الثالث، وما أكثرهم؟!

[email protected]