إبعاد دمشق لمشعل خطوة جيدة

TT

لا تحكموا على المقال من عنوانه، لذا أرجو أن تكملوه إلى السطر الأخير. ففي رأيي سورية لن تبعد أحدا من رفاقها إلا لسبب وجيه جدا، فإن فعلت فالخطوة جيدة لكنها ليست أكيدة بعد. ولو أقدمت عليها فهي أيضا ليست جديدة أيضا. سبق أن أقفلت الأبواب الأردنية والسورية في وجه خالد مشعل في فترة ماضية، ورضيت حينها قطر باستضافته، حيث عاش زمنا في فندق في الدوحة، ثم غادرها إلى السودان. بالطبع حلت الضيافة القطرية والسودانية مشكلة شخصية لمسؤول حماس إلا أنها أبعدته عمليا عن كوادره وإدارة عمليات التنظيم لفترة حتى أذنت له سورية بالعودة.

التاريخ قد يعيد نفسه، ربما ليس اليوم ولا هذا العام، الأرجح أن يبدأ مشعل رحلاته العام المقبل عندما تنشط المفاوضات السورية الإسرائيلية. الاتصالات الدبلوماسية الأولية هي التي دفعت إلى ظهور خبر في صحيفة تيلغراف البريطانية ذكر أن دمشق تنوي إبعاد الفصائل الفلسطينية من أراضيها. الخبر الذي أثار حنق بعض قادة حماس، لأنه أولا غير صحيح بعد ومحرج أيضا، قابل للحدوث. فمن المؤكد أن سورية لن ترضى بأن تعطي الإسرائيليين ذريعة لتعطيل فرصة التفاوض على استرداد الجولان المحتل حتى لو تطلب الأمر إغلاق مكاتب الفصائل الفلسطينية، والطلب من القادة الرحيل. وسبق أن مرت دمشق البراغماتية بتمرين سياسي مماثل عندما سارعت إلى إبعاد عبد الله أوجلان، زعيم حركة التحرر الكردية في تركيا، إلى الخارج في عام 98 من أجل وقف التهديدات التركية ضد سورية. وفي فترة تهديدات إسرائيلية لسورية، بسبب التفجيرات التي نفذتها حماس والجهاد الإسلامي في مدن إسرائيلية، كانت دمشق تعلن أنها أغلقت المكاتب الفلسطينية، مع أنها فعليا لم تغلقها بل طلبت من القادة الفلسطينيين أن يتواروا عن الأنظار ولا يردوا على المكالمات الهاتفية. وبعد بضعة أشهر عادوا إلى نشاطهم العلني، في أعقاب انجلاء العاصفة.

على أية حال وجود قادة حماس في دمشق لا يزيد عن كونه حضورا سياسيا فقط، على اعتبار أن لحماس اليوم دولة في غزة وقوة مما يجعل إبعاد قادة مثل خالد مشعل وأبو مرزوق وأسامة حمدان لا يؤثر عليها عملياتيا لو شاءت الاستمرار في معركتها. إلا أن حماس نفسها فعليا خفضت نشاطاتها ضد إسرائيل، وصارت تناشد وتلاحق الفصائل الفلسطينية الأخرى التي تتجرأ على إطلاق صواريخ على الأراضي الإسرائيلية من داخل غزة. وهذا يبدو أنه جزء من التناغم السياسي في المنطقة مع التطورات الجديدة بصعود رئيس أميركي معتدل، يتزامن مع عودة السياسي الإسرائيلي سيئ الصيت بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة. والتزام حماس الهدوء يتناغم مع الإشارات السورية التي توحي بسياسة براغماتية جديدة، لأن استمرار المعارك السياسية والعسكرية سيجعل من الرئيس باراك أوباما خصما للسوريين، وهو الذي يطلب منهم فرصة لتجريب مشروعه السياسي. وفوق هذا فإن استمرار المعارك سيخدم نتنياهو الذي يريد معركة لتعزيز سمعته ومكانته بين صقور إسرائيل، وتخريب المفاوضات.

لهذا إن كان صحيحا ما قالته صحيفة بريطانية إن سورية تعتزم إبعاد خالد مشعل ورفاقه فهو أمر إيجابي ليس في حق المبعدين، ولكن من أجل القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والحق السوري والمنطقة العربية عموما. فالقضية ليست خالد مشعل بل إقامة الدولة الفلسطينية والأراضي المحتلة. أما بالنسبة لمشعل وبقية قادة حماس فهم معتادون على الرحيل القسري، وسيجدون في الأردن أو قطر أو تونس أو إيران ضيافة كريمة أيضا.

[email protected]