حرية أسوأ من الاستبداد

TT

لعله مناخ الشرق، أو تربته، أو مياهه. فقد أدت ممارسة الديمقراطية في إسرائيل، على الأقل في مظاهرها الشكلية، إلى نفس النتائج التي أدى إليها في العالم العربي الاستمرار في إعلان حالة الطوارئ بذريعة الحرب، وتفقيس البرلمانات الصامتة والمصفقة، أو التي يسهل إغلاقها لأكثر من عام، كما حدث لمجلس النواب اللبناني.

في النهاية أدى غياب الديمقراطية في العالم العربي إلى غياب الديمقراطيين، وإلى تعليق الحريات العامة، وإلى منع الناس من خوض المعارك الانتخابية. أما في إسرائيل، فأوصلت الانتخابات إلى الواجهة مجموعة من المهاجرين المشبوهين وأصحاب السوابق، آخرهم، لا أخيرهم، أفيغدور ليبرمان الذي سمح النظام الديمقراطي بوصوله إلى وزارة الخارجية.

فقط في دولة مثل إسرائيل، يمكن أن يصل إلى الوزارة رجل لم يمض على هجرته أكثر من عشر سنوات. فقد كان حدثاً في تاريخ أميركا وصول مهاجر غير مولود في البلاد إلى هذا المنصب، مع أنه كان يحمل اسم هنري كيسنجر، وكفاءة علمية من هارفارد في السياسة والاستراتيجية ونظرية درء الخطر النووي عن أميركا.

أيام الرئيس شارل حلو، قبل انهيار الدولة اللبنانية، عين السيد علي عرب في منصب وزير الخارجية، وهو رجل فاضل واقتصادي معتبر. لكن الدنيا قامت في بيروت على أساس أن الرجل ليس من نادي وزراء الخارجية. لا هو شارل مالك، ولا الحاج حسين العويني، ولا فيليب تقلا، ولا جورج حكيم.

بكل برودة جعلت إسرائيل، «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، من الروسي أفيغدور ليبرمان وزيرا للخارجية، التي كانت تعطى «لرواد» إسرائيل، مثل موشيه شاريت، وابا ايبان، وشمعون بيريس، وغولدا مئير.

ماذا يضيرنا في الأمر؟ ألا يجب أن نضحك في سرنا لما وصلت إليه «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»؟ ألا يجب أن نغتبط لأن إسرائيل سترسل ليبرمان غدا للتحادث مع هيلاري كلينتون من موقع الأنداد؟ ألا يفترض أن نفرح، لأن الديمقراطية الإسرائيلية أوصلت مثل هذا الرجل إلى المرتبة الثانية في حكومتها؟ ربما لا. ربما علينا أن ننتظر قليلا. ففي المرة المقبلة قد يحل ليبرمان محل نتانياهو نفسه. لا حدود للديمقراطية في إسرائيل.