ولكنها الحقيقة يا سيدي!

TT

قال أبو نواس:

يا ويح أهلي أبلى بين أعينهم

على الفراش ولا يدرون ما دائي

قال شوقي أمير الشعراء:

يا ويح أهلي أبلى بين أعينهم

ويدرج الموت في جسمي وأعضائي

وينظرون لجنب لا هدوء له

على الفراش ولا يدرون ما دائي..

وأرى أن الشاعر متفائل، لأنه كان يظن أن أهله إذا رأوه حزنوا عليه والتفوا حوله وهات يا آهات وهات يا دموع. فإذا حدث قال: إن الدنيا لا تزال بخير، فهناك من يحزن لأحد ومن يبكى عليه.. ومن يتمنى له الشفاء.. وأنا يدهشني أنه كان ينتظر ذلك أو يتوقع.. إنه إنسان طيب. وليس من هذا الزمان. فلا أحد يهمه أمر أحد. ولا أحد يساوي دموع أحد. وكل واحد مشغول بماله وحاله وآماله ومآله.. ويا روحي ما بعدك روح..

إنني إذا قال لي أحد: صباح الخير.. فإنني أرى في ذلك كرما زائدا. وإذا قال: كيف حالك.. وإذا قال: وحشتني..

وهي كلمات مجاملة لطيفة. ولا أتوقع من أحد أكثر من ذلك. وحتى هذا لا أتوقعه.. ولست غاضبا من أحد. وإنما هي طبيعة الأشياء. طبيعة العلاقات الإنسانية: الفتور والبلادة وأنا مالي.. وأنت في حالك وأنا في حالي. وخير الناس من لا يتوقع خيرا من الناس. فإن حدث فلعلها صدفة. أو لعله الخطأ أو سوء التقدير.

يعني إيه؟ يعني ليس غريبا أن يروك على الفراش أو تحت الفراش أو بلا فراش ثم يقولون شيئا. وهذه هي طبيعة الألم والحزن. الألم: شخصي. والحزن: شخصي. كما أن الموت شخصي. والذي يموت هو وحده.. حتى لو حوله ألف شخص، فسوف يتسلل وحده من بينهم إلى حيث لا يدري.. شمعة انطفأت.. النور انقطع. وبس!

وأنت لا تعرف من الذي لا يريد ويتمنى لك أن تختفي. كأنه يحملك على كتفيه أو كأنك مسمار في عينه ووجع في قلبه. أنت لا تدري.. فإن كنت فقيرا، فكما جئت عاريا سوف تذهب عاريا من كل شيء، ومن كل حب، ومن كل عين، وأذن كل أحد.. وإن كنت غنيا استعدوا بالسكاكين وراء الظهور. وعيونهم على السماء: يا رب خلصنا منه لكي نعيش.. فقد عاش طويلا وكثيرا وعميقا وجاء دورنا لكي نعيش..

كلام يقرف. ولكنها الحقيقة يا سيدي!