رأونا ولم يفعلوا أكثر!

TT

كيف رآنا أهلنا.. وأنا صغير في الريف آتي بعصا وأركبها كأنها حصان. فكانوا يقولون: سوف يكون فارسا.

وأشترك في لعبة الدكتور.. وهي أن نرغم واحدا من الأطفال الصغار مثلي على أن يفتح عينيه بالقوة ونضع فيها ترابا. ويقولون: بل سوف يكون طبيبا. وإذا سمعوني أرفع الأذان يقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله، سوف يكون أعمي!

وأستطيع أن أقول إنني ولدت والكتاب في يدي.. كتاب من أي نوع.. كبير.. صغير.. في الطب وفي الزراعة وفي الشريعة.. لأنني لا أعرف القراءة. وإنما أقلب فيه. جالسا وتحت السرير. وكانوا يقولون: حظه في الدنيا قليل سوف يكون من العلماء..

هكذا كان يقرأنا أهالينا ـ فهم أيضا أكثرهم لا يحسنون القراءة والكتابة. والباقي لا أعرف كيف صار. فأنا تلميذ متفوق في كل مراحل التعليم. ولم أسمع من أمي أو أبي أن التفت لدروسي. فأنا لا أفعل إلا ذلك. ولم يقل لي أبي أريدك أن تكون الأول. وإنما أمي. فكنت كما أرادت في كل مراحل التعليم..

وتسألني بعد ذلك ما الذي تعلمته من أبي وأمي.

تعلمت أنواعا مختلفة من الخوف. من اليوم والغد والناس. وبالضبط ما هو الخوف؟ لا أعرف. لعله ألا أمد يدي أو عيني أو أذني. إنما أن أكون في حالي. وحالي هو الكتاب. أي كتاب في أي وقت ولأي وقت.. وتشجعت فكنت أكتب على أي ورق وعلى أي باب وعلى أي أرض. والذي أكتبه أمحوه. وعرفت فيما بعد أن الإمام الشافعي كان يفعل ذلك. فلم يكن قادرا على شراء الورق. وآخر ما اهتدى إليه الإمام الشافعي أن يعتمد على ذاكرته.

وعرفت أن الفنان العظيم دانفشي إذا جاءته فكرة ولم يجد ورقا، رسم الفكرة على ذراعه أو على بطنه. أو نادى أحد مساعديه ورسم الفكرة على ظهره ـ حتى اتهموه بالشذوذ الجنسي!

وكان شوقي، أمير الشعراء، إذا فوجئ بفكرة أو بمعني أو بيت، أخرج من جيبه علبة الكبريت أو علبة السجائر أو منديلا، ثم راح يكتب البيت والبيتين عليه.. وكان ينسى ويستخدم المنديل.

وفى مرة هبطت عليه أبيات كثيرة.. وظل شهورا يحاول إكمالها فلم يستطع. أولها يقول:

على قدر الهوى يأتي العتاب

ومن عاتبت يفديه الصحاب

ألوم معذبي فألوم نفسي

وأغضبها ويرضيها العذاب

لو أنني...

.. ثم أكملها بعد ذلك!