ثلاثة أسابيع حاسمة سيتوجها الأميركيون بخطة لسلام المنطقة

TT

ستكون الأيام المتبقية من هذا الشهر الحالي بمثابة منعطف خطير على طريق القضية الفلسطينية والوضع في الشرق الأوسط كله فهناك زيارات، بالإضافة إلى زيارة العاهل الأردني عبد الله الثاني الأخيرة التي هناك إجماع على أهميتها وعلى أنها رسمت ملامح المرحلة المقبلة من وجهة النظر العربية، سيقوم بها إلى واشنطن تباعا كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) والرئيس المصري حسني مبارك، سيتخذ الرئيس الأميركي باراك أوباما في ضوء نتائجها الخطوة المنتظرة لوضع تطور عملي لإنهاء هذا الصراع المزمن في هذه المنطقة.

كانت زيارة الملك عبد الله الثاني قد حددت الخطوط العامة لما يعتبره العرب، استنادا إلى مبادرتهم السلمية، ثوابت لا يمكن بدون الأخذ بها، كرزمة واحدة، تحقيق أي تقدم فعلي على طريق السلام المعبد بالأشواك وبالكثير من المطبات والاستعصاءات، ومن بين هذه الثوابت أنه لا حل إلا حل الدولتين وأن الدولة الفلسطينية المنشودة يجب أن تقوم على كل الأراضي التي احتلت في حرب عام 1967 ومن بينها القدس الشرقية وأن مسألة يهودية الدولة الإسرائيلية هي مسألة إسرائيلية داخلية لا علاقة للفلسطينيين بها، وأن المرجعية لتحقيق السلام العادل هي قرارات المجتمع الدولي وفي مقدمتها القرار 242 وهي اتفاقات أوسلو وخارطة الطريق وتفاهمات أنابوليس، وأنه لتسهيل الأمور وإظهار حسن النوايا لا بد من وقف عمليات الاستيطان، ولا بد من فك الحصار عن قطاع غزة، ولا بد أيضا من إزالة الحواجز التي يقيمها الجيش الإسرائيلي على طرق الضفة الغربية.

وبالطبع ورغم أن الاستجابة الأميركية، المتمثلة في مواقف متعددة اتخذتها هذه الإدارة الجديدة منذ اليوم الأول الذي انتقل فيه رئيسها إلى البيت الأبيض، مشجعة وواعدة فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن النجاح الذي يريده العرب غير مضمون وغير مؤكد بصورة نهائية، فالعراقيل لا تزال كثيرة والمنطقة تتعرض لتدخلات إقليمية هي الآن في ذروتها، والوضع الفلسطيني غير مريح على الإطلاق، وكل هذا بينما التصرفات الإسرائيلية محكومة بمواقف هذه الحكومة المتطرفة.

والملاحظ أن إسرائيل قد بادرت إلى التمهيد لزيارة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن المقررة في الثامن عشر من هذا الشهر بهذه الزيارة التي قام بها الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز إلى الولايات المتحدة والتي هدفها إقناع الرئيس أوباما وطاقمه بعدم الأخذ بكل ما قيل كمواقف متشددة من قبل بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان منذ فوزهما في الانتخابات الأخيرة، وأن الموقف الفعلي هو تأييد حل الدولتين من حيث المبدأ وهو الاستجابة لكل التوجهات الأميركية المستجدة لحل أزمة الشرق الأوسط.

لقد بادر بيريز إلى هذه الزيارة، التي لاشك في أنه قد اتفق مسبقا مع الحكومة الإسرائيلية على هدفها وعلى ما سيقوله خلالها، إن للرئيس باراك أوباما وإن لأركان إدارته ولكل مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة، لتمهيد الطريق أمام زيارة بنيامين نتنياهو اللاحقة، وهنا فإن المعلومات المؤكدة تشير إلى أن الرئيس الإسرائيلي الذي يشكل الملمس الناعم لمواقف الإسرائيليين بمتطرفيهم ومعتدليهم قد أبلغ الأميركيين بأن إسرائيل مع حل الدولتين وتؤيده، والآن المشكلة تتمثل في عدم وجود جهة واحدة تمثل الفلسطينيين وتتحدث باسمهم وتتمثل أيضا في التدخل الإيراني السافر في الشرق الأوسط وشؤونه وفي إصرار طهران على امتلاك القدرات النووية العسكرية!

لم يركز شمعون بيريز خلال هذه الزيارة التي قام بها، لتمهيد الطريق أمام زيارة بنيامين نتنياهو اللاحقة، على قضايا صراع الشرق الأوسط الأساسية، وهو حمل معه لإدارة أوباما، كما تقول المعلومات، تحذيرا من أن إسرائيل في عهد هذه الحكومة قد تبادر وفي أي لحظة إلى توجيه ضربة للمفاعلات النووية الإيرانية وأنه لتأجيل هذه الضربة وإلغائها، إذا أرادت واشنطن ذلك، لا بد من ضمانات أميركية بأن أي حل في الشرق الأوسط يجب أن يتضمن معالجة هذا التهديد الإيراني معالجة نهائية.

إنه من غير المتوقع أن تكون المفاوضات التي ستجري بين نتنياهو وبين الرئيس الأميركي سهلة وميسرة، وهذا يقتضي أن يوفر العرب والفلسطينيون للإدارة الأميركية المساعدة التي تحتاجها لمواجهة المناورات والألاعيب الإسرائيلية التي هي في العادة تستند إلى القوة التي يتمتع بها «اللوبي» الصهيوني في الولايات المتحدة وأن يذهب محمود عباس (أبومازن) إلى واشنطن وقد حسم كل الأمور الفلسطينية العالقة وشكل الحكومة القادرة على التعاطي مع مستجدات الموقف الدولي والمقبولة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتشكل إحراجا لحكومة بنيامين نتنياهو العنصرية والمتطرفة.

لا مجال إطلاقا لأن يواصل (أبومازن) الرهان على حوارات القاهرة، فالمعروف سلفا أن هذه الحوارات ستنتهي إلى هذا الفشل الذي انتهت إليه، والمعروف أن إيران وحلفاءها قد أقاموا دولة غزة بالأساس لتكون نصفا معطلا على غرار الثلث المعطل الذي فُرض على أطراف المعادلة اللبنانية، ولهذا فإنه لا بد من حسم هذا الأمر وتشكيل حكومة برئاسة سلام فياض بسرعة، فالوقت ضيق ولا يجوز أن يبقى الوضع الفلسطيني على ما هو عليه إلى أن يذهب بنيامين نتنياهو إلى واشنطن ويحاول التملص من الاستجابة لاستحقاقات العملية السلمية من خلال التذرع بذريعة عدم وجود الطرف الفلسطيني الذي من الممكن مفاوضته وعقد الاتفاق المنشود الذي يريده الأميركيون معه.

لم يعد هذا الحوار الذي بقي يدور في حلقة مفرغة مجديا، فالمواقف معروفة و«حماس» كانت قد ذهبت إلى هذه المفاوضات «الماراثونية» وهي مصممة، انسجاما مع التوجهات الإيرانية، على تعطيل عملية السلام وتوفير الذريعة التي يحتاجها اليمين الإسرائيلي للتملص من استحقاق حل الدولتين والقول بأن إسرائيل لا تجد الطرف الفلسطيني الذي من الممكن أن تفاوضه، ولذلك فإنه على (أبومازن) أن يحسم أمره وأن يشكل حكومة جديدة من الأفضل أن تكون برئاسة سلام فياض لإحباط أي مناورة إسرائيلية على هذا الصعيد ولوضع الأميركيين والأوروبيين والإسرائيليين أيضا أمام حقيقة أن هذه الحكومة المنبثقة عن منظمة التحرير هي الحكومة الشرعية، وأنها هي التي تمثل الشعب الفلسطيني وتفاوض باسمه.

سيقول الرئيس مبارك عندما سيذهب إلى واشنطن للأميركيين ما كان قاله العاهل الأردني عبد الله الثاني لهم، وهو أن المطلوب ليس مجرد حسن النوايا بل خطة واضحة عنوانها حل الدولتين وتستند إلى مبادرة السلام العربية وخارطة الطريق وأنابوليس واتفاقيات أوسلو وقرارات مجلس الأمن الدولي ومزودة بجدول زمني لتفادي تكرار تلك المفاوضات العبثية التي استمرت بدون أي نتائج منذ نحو منتصف تسعينات القرن الماضي حتى عشية الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة.

وسيقول الرئيس مبارك للرئيس باراك أوباما وأركان إدارته، إنه على أميركا، إن هي أرادت إنجازات حقيقية في الشرق الأوسط، أن تتخلى عن دور الوسيط المنحاز لإسرائيل، وأنه عليها أن تكون وسيطا منصفا وأن تدرك أنها إن هي أبقت على هذه المنطقة الحساسة بين تنامي التطرف والإرهاب من جهة وبين التشدد الإسرائيلي من جهة أخرى، فإن النتيجة ستكون انهيارا لسياسة الأمن القومي الأميركية في العالم بأسره.

يجب أن يساعد العرب، والفلسطينيون في المقدمة، هذه الإدارة الأميركية بمواقف تمكنها من مواجهة الألاعيب والمناورات الإسرائيلية وتجعلها قادرة، كما وعدت وأكدت، على إطلاق خطة الحل المأمول على أساس حل الدولتين، وكل ما تضمنته مبادرة السلام العربية في بدايات شهر يونيو (حزيران) المقبل، ويبدو أن هذا في ضوء كل هذه التحركات المتلاحقة والاتصالات المكثفة أصبح ممكنا بل هناك معلومات تؤكد أن إطلاق خطة الحل هذه باتت تحصيل حاصل، وأنه لم يتبق لإطلاقها إلا وضع اللمسات الأخيرة.