أوباما: عالم من المشاكل

TT

يبدأ الرؤساء الأميركيون الجدد غالبا بالتصرف وكأن معظم مشاكل العالم جاءت نتيجة لخطأ أسلافهم، وباراك أوباما لا يمثل استثناء. في أول ثلاثة أشهر له، سرعان ما اتخذ خطوات لإصلاح الأخطاء في سياسة جورج بوش الخارجية، كما يراها الديمقراطيون. وقد حصل على أرباح سهلة من قاعدته، وحلفاء أميركا في أوروبا ومتابعة عالمية لأنه غير مؤيد لأحادية الجانب أو مروج للحرب أو مستهزئ بإقامة حوار مع الأعداء.

والآن يأتي الجزء المثير للاهتمام: عندما يظهر الدليل على أن بوش لم ينشئ دولا مارقة أو حركات إرهابية أو يتسبب في نزاعات دموية في الشرق الأوسط أو ولع روسي بالقتال، وأن التغييرات في المساعي الدبلوماسية الأميركية، بغض النظر عن تنويرها، ربما لا يكون لها تأثير كبير على هذه القضايا.

لقد جاءت أول صيحة تنبيه من كوريا الشمالية، وهي الدولة التي، وفقا للحكمة الديمقراطية الراسخة، كانت ستتخلى عن سلاحها النووي منذ عدة أعوام إذا لم يكن بوش قد وصفها بالدولة «الشريرة»، ولم تحرم من عقد مباحثات ثنائية مع واشنطن وتعرضت للعقوبات. وقد حاول ستيفن بوسوورث، مبعوث الإدارة الخاص الجديد، وقف اختبار بيونغ يانغ الصاروخي غير القانوني بتعهده بعقد مباحثات ثنائية وتقديم «حوافز» في حالة اتباع سلوك جيد.

ولكن أطلقت كوريا الشمالية الصاروخ. وبعد أسبوع من مفاوضات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أخرجت الإدارة الأميركية التعددية التصريح الضعيف ذاته الذي كانت ستصدره إدارة بوش، وطرد النظام الستاليني مفتشي الأمم المتحدة وأعلن أنه يعود إلى إنتاج البلوتونيوم.

وهطلت سيول باردة أخرى في الأسبوع الماضي على جورج ميتشيل، مبعوث أوباما الخاص لدى الشرق الأوسط. وعلى مدار ثمانية أعوام، أصر الديمقراطيون على أن غياب التقدم في عملية السلام بين إسرائيل وجيرانها يرجع إلى فشل إدارة بوش في «التدخل». ويمثل ميتشيل التصحيح. ولكن أثناء جولة قام بها الأسبوع الماضي في المنطقة، واجه حركة فلسطينية منقسمة تبدو غير قادرة على الاتفاق على موقف تجاه إسرائيل، وحكومة إسرائيلية لا تقبل هدف إقامة دولة فلسطينية. ولم يبد الاثنان مهتمين على الإطلاق بالتدخل الأميركي الجديد، أو راغبين حتى في تقديم تنازلات رمزية.

وأرسل أوباما برسالة مصالحة علنية للإيرانيين، وانضمت الولايات المتحدة إلى اقتراح متعدد الأطراف من أجل إقامة مفاوضات جديدة حول برنامجها النووي. وكان رد النظام الإعلان عن توسع آخر في منشآت تخصيب اليورانيوم وإحالة صحافية أميركية إلى المحاكمة بتهمة التجسس. وأخبر أوباما العراقيين أنه سيستخدم انسحاب القوات للضغط على الحكومة من أجل تولي مسؤوليات الدولة. ومنذ أن أعلن ذلك، بدأ العنف في العراق يشهد زيادة مستمرة.

وليس أوباما أول رئيس يكتشف أن إجراء تغييرات سطحية في السياسة الأميركية لا يغير من المشاكل المستمرة. وربما تثمر بعض من إستراتيجياته الحديثة نتائج مع مرور الوقت. ولكن الاختبار الحقيقي الذي تخضع له أية إدارة هو ما تفعله بمجرد أن تدرك أن الإصلاحات السريعة ليست ناجحة، بمعنى آخر أن كوريا الشمالية وإيران لا تعتزمان التخلي عن برنامجيهما النوويين، بحوار أو من دون، بينما تظل روسيا مصرة على استعادة نفوذها على جورجيا. وبمعنى آخر، ما يحدث لم يعد خطأ جورج دبليو بوش؟ وذلك ما ستوضحه لنا الأيام المائة المقبلة.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»