بيلوسي على حقيقتها

TT

«أثني على قيام الجمهوريين بذلك: صوتوا بالطريقة التي يعتقدون بها.. أعتقد أنهم صوتوا بقدر من الأمانة أكبر مما نالوا الثناء عليه».

لم يكن هذا الرأي الذي نظر في دوافع والتزامات الجمهوريين مجاملة لطيفة وردت على مدونة حزبية، ولكن هذا ما قالته نانسي بيلوسي، رئيس مجلس النواب والعضو في الحزب الديمقراطي. وخلال مقابلة في الكونغرس بعد أن انفض الكونغرس لبدء عطلته، ذكرت بيلوسي حقيقة بسيطة دائما ما يجري تجاهلها خلال النواح المتعب على ضياع الشراكة بين الحزبين في واشنطن. وقالت بيلوسي: «إذا لم يكن في استطاعتك الوصول إلى أرضية مشتركة، فإن ذلك لا يعني أنك متعصب لحزب ما. بل يعني أنك تعتقد في شيئين مختلفين».

وتأتي عطلة الكونغرس في وقت يجب أن يتم فيه التخلص نهائيا من عبارة متكررة عن بيلوسي: القول بأنها ليبرالية من سان فرانسيسكو، وأنها تفرض أجندتها على رئيسنا البراغماتي الجديد.

كم عدد المرات التي سمعت خلالها هذا العام أشكالا متعددة من عبارة «أوباما ترك بيلوسي تكتب حزمة التحفيز الاقتصادية»؟ وكما أشارت بيلوسي: «أي شخص يعرف باراك أوباما يعرف أنه سوف يحظى بحزمة الإنعاش التي يريد».

ويبدو أن الجمهوريين أدركوا أن هذا القول لن ينطلي علينا، ولذا لجأوا إلى انتقاد الرئيس أوباما مباشرة. وتشير الاستطلاعات الأخيرة إلى أن هذه الاستراتيجية لا تقدم الكثير من العون للحزب الجمهوري.

وبالمقارنة مع أسلافها الذين سبقوها مباشرة، نجد أن بيلوسي رئيس قوي لمجلس النواب. لم تحظَ بيلوسي بسلطة مركزية كما كان الحال مع نيوت جينغريتش في التسعينات، ولكنها حتى الآن لديها سيطرة أكثر من تلك التي تمتع بها توم فولي، رئيس المجلس السابق الديمقراطي أيضا. إنها تواجه حزبا جمهوريا محافظا بدرجة أكبر مما اعتاد أن يكون. ومن السهل نسيان كيف كان التحول الدرامي على مدار الوقت، وعليه، فإنه من السهل نسيان كيف أن الشوق الحالي للتعاون بين الحزبين أمر غير واقعي.

في الكونغرس الذي انتخب عام 1960، كان هناك 174 جمهوريا، سبعة فقط منهم كانوا من الولايات الإحدى عشرة التي انفصلت عن الولايات المتحدة، فيما كان 35 منهم من نيويورك أو نيو إنغلاند، قلب الاتجاه الجمهوري المعتدل. وفي الكونغرس الحالي نجد أن 72 من 178 جمهوريا أتوا من هذه الولايات الإحدى عشر. ومعظمهم تقريبا محافظون بدرجة كبيرة. ولا يوجد عضو واحد في مجلس النواب عن الحزب الجمهوري من نيو إنغلاند، كما أن هناك ثلاثة فقط من نيويورك. ومع ذلك، تعلم بيلوسي أن أغلبيتها ما زالت تعتمد على أعضاء منتخبين من مناطق ريفية وضواحي محافظة نسبية. ونجد أنه من بين 254 عضوا في مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي، الذي يحتاج إلى 218 عضوا فقط كي يشكل أغلبية، جاء 49 عضوا من مناطق فاز جون ماكين بدعمها العام الماضي، حسب ما يفيد به التحليل الربع شهري عن الكونغرس. وتريد بيلوسي أن تحمي هؤلاء التسعة والأربعين. وكان أفضل برهان على كيفية قيامها بخلق توازن هو قرار الميزانية في مجلس النواب الذي ترك احتمالية لتمرير إصلاح الرعاية الصحية، وليس خطة تجارة الانبعاثات الكربونية، طبقا لقواعد التصالح. وسوف تسمح القواعد، التي حددتها اتفاقية بين غرفتي البرلمان، بتمرير إصلاح الرعاية الصحية خلال مجلس الشيوخ بأغلبية بسيطة هي 51 صوتا، ولكن سوف تحتاج خطة الانبعاثات إلى 60 صوتا. تعرف بيلوسي أن قضايا الطاقة لا تميز الاتجاهات الحزبية. فالاختلافات الإقليمية، بين الولايات المنتجة للفحم والولايات المنتجة للغاز الطبيعي والبترول وباقي الولايات، يكون لها حساب أكبر من الحزب.

قالت بيلوسي: «هناك عدد كاف من الديمقراطيين يؤيدون إصلاح الرعاية الصحية»، ولكن لا تعرف أين هذه الأصوات الديمقراطية فيما يتعلق بخطة الانبعاثات. وترى أنه من دون أن تقوم غرفتا البرلمان بالوصول إلى تسوية واسعة تحصل على 60 صوتا على الأقل في مجلس الشيوخ، فإن الجهد برمته يمكن أن يتداعى». وفي الحقيقة، فإن الصعوبات الخاصة بهذه القضية ظهرت أخيرا عندما أعلنت الإدارة أنها يمكن أن تتحرك بدرجة أبطأ لطرح أذون الانبعاثات في المزاد.

وخلال المقابلة التي أجريت معها، جذبت بيلوسي الانتباه إلى تمثال صغير لعامل في منجم فحم دائما ما تحتفظ به في مكتبها. كان هدية لأبيها من الراحل جينينغز راندوف، الذي كان يمثل فرجينيا الغربية في مجلس الشيوخ ومجلس النواب.

تقول إنها تشير إلى التمثال عندما تناقش القضايا البيئية وقضايا الطاقة مع زملائها في الولاية التي تشتهر بالتعدين. وتضيف: «لا حاجة للخوف مما يمكن أن أكتبه في مشروع قانون، حيث يمكن أن أقول «فلنكتب مشروع قانون من دون فحم، لا تستطيع». هذه ليست كلمات شخص يروج لأيديولوجية معينة، ففي الواقع فإن هذا هو الشيء الوحيد الذي لا يوجد في نانسي بيلوسي.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»