أوباما ونتنياهو.. من عض الأصابع إلى الملاكمة؟!

TT

هل تنجح الدبلوماسية العربية في دفع إدارة باراك أوباما إلى الانخراط في ملاكمة سياسية مع حكومة المتطرفين التي يرأسها بنيامين نتنياهو؟

هذا هو السؤال المحوري الذي يتقدم الآن إلى واجهة التحليلات والتوقعات انطلاقا من اتساع هوة التناقض بين واشنطن وتل أبيب في ما يتعلق بالتسوية السلمية في الشرق الأوسط.

الواقع أن الدبلوماسية العربية تقف الآن أمام فرصة أميركية ذهبية إذا جاز التعبير، تتمثل في تطور نظرة البيت الأبيض إلى الصراع العربي ـ الإسرائيلي وتداعياته الخطيرة إقليميا ودولياً وأهمية إيجاد حل له، على قاعدة قيام الدولتين.

في استطاعة المرء عندما يدقق ملياً في مجمل تصريحات الرئيس الأميركي ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ومبعوثه إلى الشرق الأوسط جورج ميتشيل، أن يكتشف اقتناعاً متناميا لدى الإدارة الأميركية بأن حل أزمة الشرق الأوسط على أساس خطة أنابوليس وخريطة الطريق بما يفضي إلى قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، إنما يشكل مصلحة إستراتيجية أميركية لا تقتصر على الوصول إلى حال من الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية من العالم فحسب، بل تتصل بضرورات الأمن القومي الأميركي بالذات، وبصورة العلاقة بين أميركا والعالمين العربي والإسلامي.

وإذا كان من حق البعض أن ينظر إلى هذا التحول في الفهم الأميركي لأهمية حل أزمة الشرق الأوسط، نظرة المفاجأة الإيجابية المشجعة، فإن من حق الجميع أن ينظر إلى ما جرى في إسرائيل بعد نجاح اليمين المتطرف وتشكيل حكومة بنيامين نتنياهو، نظرة التشاؤم واليأس من إمكان التوصل إلى تسوية عادلة، تنهي الصراع في المنطقة، وتفتح صفحة جديدة في التوازنات الإقليمية والعلاقات بين الشرق العربي والإسلامي وبين الغرب.

وإذا كانت سياسات بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان واضحة ومعروفة لجهة رفض أنابوليس وقيام الدولة الفلسطينية والتمسك بسياسة التوسع والاستيطان، فإن التصريحات التي أدليا بها في الأسابيع الماضية عشية تشكيل حكومة اليمين المتطرف وبعد نيلها ثقة الكنيست، بدت وكأنها تحاول وقف هجوم التسوية الذي يستعد أوباما لشنه قبل أن ينخرط جورج ميتشل عمليا في مهمته.

لكن أوباما سارع واختار تركيا منبراً لإطلاق مصالحة ومناكفة في وقت واحد. مصالحة بين الغرب والإسلام، عندما قال إن علاقة أميركا مع العالم الإسلامي لا يمكن أن تكون مستندة إلى معاداتها لـ«القاعدة»، بمعنى أنه لا يجوز وليس مسموحا النظر إلى كل مسلم بتوجس على أنه إرهابي، وهو الأمر الذي يمثل مؤامرة خبيثة دأبت الصهيونية على زرعها في أوساط الرأي العام العالمي.

أما المناكفة فقد تمثلت في أن أوباما بدا وكأنه ينخرط في ملاسنة سياسية مع بنيامين نتنياهو، حيث قال وبلهجة حازمة: «دعوني أكون واضحاً، الولايات المتحدة تدعم بحزم هدف إقامة دولتين إسرائيلية وفلسطينية تتعايشان بسلام وأمن. ينبغي الآن ألا نستسلم للتشاؤم وعدم الثقة.. يجب أن يتخذ الإسرائيليون والفلسطينيون الخطوات الضرورية لبناء الثقة».

ولكن نتنياهو الذي عارض ويعارض دائما نظرية إقامة الدولتين، رد على أوباما في إطار من المراوغة عندما قال إن حكومته ستتعاون مع إدارة أوباما للوصول إلى السلام، من دون أي إشارة إلى عملية أنابوليس والدولتين. لكن هذا لا يشكل أكثر من إضافة تؤكد التمسك بما كان ليبرمان قد أعلنه من أن إسرائيل ترفض أنابوليس ونظرية قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، لا بل إنه لوح بعملية «ترانسفير» أي تهجير واسعة، عندما أوحى ضمنا بأن الضفة الشرقية يجب أن تكون دولة الفلسطينيين!

يرسم هذا التناقض المتصاعد بين واشنطن وتل أبيب معالم مواجهة حقيقية يمكن أن تقوم بين الجانبين، ليس من منطلق اليقظة الأميركية إلى أهمية حل القضية الفلسطينية فحسب بل من منطلق الاقتناع المستجد بأن هذا الحل يمثل مصلحة حيوية للأمن القومي الأميركي وهو ما يجعل هذا الحل في أهمية موازية لأهمية النفط.

على أساس كل هذا تجري الآن محاولتان أميركية وعربية للدفع جديا في اتجاه إيصال نظرية أنابوليس إلى التطبيق عبر محاولة لي ذراع نتنياهو ورفاقه في الحكومة اليمينية، وهو ما يذكّر بما فعله دوايت أيزنهاور عام 1956 عندما أجبر غولدا مائير على الانسحاب باكية من السويس بعد العدوان الثلاثي على مصر.

المحاولة الأميركية تتمثل في التحرك الحثيث الذي تنظمه الإدارة مع أعضاء الكونغرس لقطع الطريق على نتنياهو الذي سيزور واشنطن في 3 أيار (مايو) ثم يتبعه ليبرمان في زيارة مماثلة.

وفي هذا السياق بات واضحاً أن فريق أوباما مستعد لمواجهة محتملة مع نتنياهو، بشرحه على نحو لا سابق له موقف الإدارة الأميركية من عملية السلام، ومواقف الحكومة الإسرائيلية الجديدة من حل الدولتين للأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس. ومن الواضح أن إدارة أوباما تتوقع مواجهة مع نتنياهو في شأن رفضه دعم قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.

ولهذا فإن المسؤولين في الإدارة الأميركية شرحوا للأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس خلال الأسابيع الأخيرة موقفهم من عملية السلام، واستعداد الإدارة في واشنطن لاحتمال ظهور خلافات مع إسرائيل حيال عملة السلام، وتهدف هذه الخطوة الاستباقية إلى إحباط أية محاولة من نتنياهو لتخطي الإدارة عبر حشد دعم الكونغرس.

وفي تل أبيب تسود حالة من التوجس حيال هذا التطور وهو ما دفع نائب وزير الخارجية داني ايالون إلى القول: «صحيح أن هناك خلافات، ولكن ليس هناك احتكاكات» بما يعني ضمناً أن العلاقات هي في الطريق نحو المواجهة، وربما ما هو أكثر.

أما المحاولة العربية فلها وجهان:

الوجه الأول يتمثل في الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل بعد محادثاته مع نده البريطاني ديفيد ميليباند والتي أطلق عليها اسم «حوار المملكتين»، حيث أكد استياء بلاده من المواقف الإسرائيلية المتعنتة التي تصيب عملية السلام في الصميم، مشيرا إلى «تجاهل الحكومة الإسرائيلية مبدأ الحل الدولي القائم على إقامة دولتين مستقلتين وضربها عرض الحائط بخطة خارطة الطريق وتفاهمات أنابوليس وغيرها من قرارات الشرعية الدولية، كل ذلك من شأنه إعادة عملية السلام إلى نقطة الصفر».

ولأن الفشل المزمن في حل أزمة الشرق الأوسط وإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي كان وراء بروز الكثير من حركات التطرف والإرهاب، فإن السعودية ترى «أهمية قيام المجتمع الدولي، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، ببذل جهودهما لحمل إسرائيل على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام بما في ذلك مبادرة السلام العربية» وإيقاف إسرائيل للاستيطان والالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 1860 بإنهاء سياسة العقوبات الجماعية ورفع الحصار عن الفلسطينيين.

أما الوجه الثاني فيتمثل في الرسالة العربية التي وجّهت إلى الرئيس أوباما، بعد اجتماع وزراء خارجية ست دول عربية في عمان، وهي السعودية ومصر والأردن وقطر ولبنان وفلسطين وأمين عام الجامعة العربية عمرو موسى.

ومن الواضح أن هذه الرسالة تهدف إلى تصليب موقف الإدارة الأميركية في مواجهة الرفض الإسرائيلي، وتستعجل الوصول إلى البيت الأبيض قبل زيارة نتنياهو. وهي تعرب عن الارتياح العربي إزاء سياسة أوباما الذي أكد تمسكه القومي بخطة أنابوليس وقيام الدولتين، وهو ما يتلاقى مع «مبادرة السلام العربية» التي لن تبقى مطروحة إلى الأبد إذا استمرت إسرائيل في رفض استجابة متطلبات السلام العادل.

والسؤال الآن: هل تتحول الخلافات المتصاعدة بين واشنطن وتل أبيب إلى نوع من الاحتكاكات الساخنة التي قد تفضي إلى قيام ملاكمة سياسية بين باراك أوباما، الذي يزداد اقتناعا بأن جوهر شعار التغيير الذي يرفعه، يتمثل في الشرق الأوسط بتطبيق أنابوليس وإقامة الدولة الفلسطينية، وبين الثنائي نتنياهو ـ ليبرلمان الذي يرفع شعار هدم أنابوليس على رؤوس الأميركيين والفلسطينيين والعرب؟