حال العرب وتشرذمهم: الحل في الإرادة السياسية!

TT

الكثير من المتابعين متفقون على أن الأمة العربية تمر في وقتها الراهن بأسوأ أحوالها، ناهيك عن أوضاعها المأزومة، حيث الخلافات والتفكك، ولكن يا ترى ما هو العلاج لحل هذه الإشكالية، وكيف لك أن تحقق التطور والتقدم والتفاعل في ظل هذا المناخ؟!

منذ زمن ُطرحت ثمة آراء ونظريات لتفسير علاقة الأنظمة الحاكمة بشعوبها وكيفية ردم الفجوة بين الطرفين، وهي معادلة صعبة في تحقيق نتائجها، ومعقدة في بنائها، مما جعل بعض المفكرين يرون أنه قد آن الأوان لإصلاح الخلل، منظورا إليه اجتماعيا وثقافيا وفكريا، وهو ما قد يحقق مفاهيم النهضة والتنوير والتنمية. كما أنه ُطرحت مبادرات لبعض الزعماء العرب، وقد سمعنا بها، ولكننا مررنا عليها مرور الكرام، من دون أن نجهد الذات في محاولة فهم مدلولاتها.

على أن السعودية كانت قد طرحت ثمة ورقة مهمة في قمة الدوحة الأخيرة، ترنو إلى معالجة الخلافات العربية ووضع آليات تقود في نهاية المطاف لإصلاح الوضع العربي وإدارة أزماته. وكان السيد عمرو موسى قد أشار إلى أن السعودية قد تقدمت بها قبل سنوات، وهي على ما أذكر سميت بالميثاق لإصلاح الوضع العربي.

على أي حال، ما يهمنا هنا هو تسليط الضوء على المبادرة السعودية التي جاءت تحت عنوان «ميثاق لإصلاح الوضع العربي»، حيث تدعو إلى «ميثاق عربي جديد يضمن حماية المصالح المشروعة وتحقيق المطالب العادلة لأمتنا العربية، ويبني العمل العربي المشترك على أوثق العرى وأقواها، وينظم العلاقات في ما بين الدول العربية، ويوجه العلاقات مع دول العالم». على أن المبادرة جاءت كخطوة جريئة لعلاج الخلل، ولكشف الواقع المرير الذي تعيشه الأمة العربية، ومما يلفت النظر أن مضمون المبادرة انتقل من مفهوم الخطاب المكرور (التبريري والدفاعي) إلى طرح يتسم بالشفافية والمكاشفة (نقد الذات).

وعند القراءة المتأنية لما جاء في المبادرة، نلحظ ثلاثة أمور أساسية لإصلاح الوضع العربي، تتمثل في: الإصلاح الذاتي، وتطوير المشاركة السياسية، والتكامل الاقتصادي، وهي في تقديري لُب الأزمة الحقيقية التي تقبع في القاع السوسيولوجي للكيان العربي.

لذلك يمكن القول إن (المنفعة الجماعية) هي الركيزة التي تستند إليها المبادرة، وهي الأرضية التي تنطلق منها، وفي ذات الوقت هي الغاية التي ترغب في تحقيقها. وبتحليل النص تجد العبارات (حماية المصالح المشروعة)، (توثيق العمل العربي المشترك)، (إنشاء السوق العربية المشتركة)، (حل الخلافات العربية بالطرق السلمية)، (رفض أي عدوان خارجي غير مشروع على دولة عربية).

غير أن المثير فيها ما يتعلق بالمنطلقين الأساسيين لبناء القدرات العربية والانخراط في المنافسة العالمية وهما: الإصلاح الذاتي وتطوير المشاركة السياسية، وتكمن أهميتهما في التوقيت، لاسيما في خضم التحديات والتنبؤات والتكهنات الآنية، فالملك عبد الله بادر إلى الدعوة إلى الإصلاح الذاتي وفتح النوافذ لدولنا العربية قبل أن يفرض عليها التغيير وفق أجندة (الآخر)، ولذلك يقول الملك في مبادرته:

«لن يقبل من الآن فصاعدا أن نقول ما لا نفعل، أو نعد ولا نفي..» وعندما ينادي بالمشاركة السياسية في عالمنا العربي، فلأنه موقن أن ثمة معاناة يعيشها الإنسان العربي، ولم يعد بالإمكان إقامة مجتمع فاعل ومدني في عالم لا يعرف إلا الأوتوقراطية، ولا يؤمن بالآلية الديمقراطية، من مشاركة سياسية واحترام لحقوق الإنسان وحرية التعبير، فالقبيلة والطائفة والشللية باتت كلها أدوات لإعاقة أي تنمية إن لم تكن عناصر ضعف ووهن لحال عالمنا العربي.

كما أن الإصلاح الذاتي في عمقه، يرتكز على تصحيح الوضع الراهن، ولا ريب في أن ظاهرة الفساد المستشرية في عالمنا العربي، فضلا عن عدم استقلالية القضاء، ناهيك من رقابة الإعلام، أدوات فعّالة لتقويض البناء، ولتكريس سلوكيات غير مشروعة كالرشوة واستغلال المنصب أو النفوذ، غير أن المبادرة لم تلبث أن وصفت واقعنا العربي (بالمرير)، وطالبت ببعث (اليقظة) في نفوس الأمة حتى تكون قادرة (على مجابهة التحديات والمخاطر التي تحملها التطورات الراهنة وتداعياتها المتسارعة). وكأني بها تنادي بنشر ثقافة (نقد الذات أولا)، وبفتح باب المحاسبة والقضاء على البيروقراطية، كما أن محاورها تنزع إلى محاولة ردم الفجوة، لأنها تنادي بالتعددية والمشاركة وأهمية الرأي الآخر.

ولعل ما يميز المبادرة هو بعدها عن الحماسة الآيديولوجية أو العاطفة القومية، رغم أن خطابها قد يُظهر العكس، إلا أن القراءة العقلانية لمضمونها تفيد أن ثمة نزعة براجماتية في ما يتعلق برؤيتها إزاء العمل المشترك لإظهار كتلة عربية على غرار مجلس الاتحاد الأوروبي، فالاقتصاد هو كلمة السحر لصناعة التكتل في عالم لم يعد يرحم، وهذا ما أدى إلى نجاح التجربة الأوروبية، في حين فشلت معظم القمم العربية لتميزها بما يسمى بأسلوب القفز وطرح القضايا الكبيرة والمشاريع الضخمة ضمن منظومة من الانفعال اللحظي، مما يدفعها في نهاية المطاف إلى الإخفاق.. نعم إنها وصفة لعلاج الخلل، ولذا العالم العربي في حاجة ماسة إلى ترجمة تلك المبادرة الإصلاحية، وهذا يقتضي وجود إرادة سياسية جادة من أجل حماية المصالح العربية، إن أردنا فعلا حمايتها.!

www: zuhair-alharthi.8m.com