بقرة.. ومعزة.. ودجاجة.. وخنزير!

TT

الكوارث والمصائب الكبرى دائما ما تستوجب مراجعات جادة وفورية حتى يتم وبدقة معرفة حجم المشكلة ومداها وأسبابها من باب الحرص على عدم تكرارها من جديد بأي شكل من الأشكال. وإذا كانت الكارثة المالية الكبرى التي ما زال العالم يعاني وبعنف تبعاتها، تسببت في مراجعة عميقة للأنظمة المالية والتشريعات المحاسبية والشروط الرقابية التي كانت مليئة بالثغرات والخلل مما تسبب في حصول ما حدث وأدى إلى تفاقم النتائج السلبية والإضرار بمصالح الناس في أنحاء العالم كافة، فإن من الواضح جدا أن النتيجة البديهية التي وصل إليها العقلاء من الناس هي أن النظام المصرفي القديم كان غير قابل للاستمرارية ولا الاستدامة ولذلك سقط وانهار. وبنفس المنطق وبذات النتيجة بدأت أصوات كثيرة تخرج اليوم في العالم تقول إن نظام تربية الطيور والمواشي بأشكالها المختلفة بات غير قابل للاستمرار لأن هناك خللا واضحا حصل في العلاقة بين الطير والحيوان والإنسان مما ولّد مجموعة من الأمراض الخطيرة والجديدة التي تستمر في التطور والنمو والاستقواء حتى بات يصعب تشخيصها أو علاجها في أحيان أخرى. فلعل المواجهات المدمرة التي حدثت مع مرض جنون البقر والحمى القلاعية وإنفلونزا الطيور وأخيرا إنفلونزا الخنازير، تؤكد هذه المسألة بقوة شديدة جدا. الأوبئة البشرية الجديدة هي الضريبة المسمومة لصناعة تربية المواشي والطيور الحديثة، والتي تعتمد على الإنتاج الكمي المهول بأي ثمن وبأي تكلفة. إنفلونزا الخنازير في حد ذاتها ليست جديدة، ففي عام 1918 كان هناك ظهور للحالة ومرة أخرى ظهر بقوة في ولاية كارولاينا الشمالية عام 1998، ولكن في الحالتين انحصر ظهور الفيروس في الخنازير فقط دون أن ينتقل إلى البشر. وطبعا مع اختلاط البشر الكثيف مع الحيوانات الخاصة بالتهجين المعدة للطعام البشري وتحسين سرعة وسائل انتقال قطعان الحيوانات حول العالم، بات انتقال الفيروس من الحيوان إلى البشر مسألة وقت، وقد كان، ولذلك حصل ما حصل وبشكل قابل للزيادة والانفجار كما توقعت بعض الدوائر الطبية في أهم منظمات الصحة العالمية.

عربيا المسألة لا تزال غامضة وغير ظاهرة الملامح بالقدر الكافي حتى الآن، فهناك مدن كبيرة وقطاعات كثيرة بالأرياف لا تزال المواشي والطيور فيها تعيش مع الناس بشكل عشوائي خطير ينافي كل شروط السلامة والمنطق والعقل ويجعل فرضيات ظهور أمراض جديدة مؤكدة وخطيرة ليست ببعيدة. وطبعا ما ينطبق عربيا توجد حالات شبيهة كثيرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية. الحكومة المصرية اتخذت قرارا جريئا بإعدام كل الخنازير فورا، وطبعا مثل كل شيء في العالم العربي تم تسييس هذه المسألة وتحويلها إلى مسألة دينية وطائفية مما استدعى تدخل البابا شنودة زعيم الأقباط ورجالات الدولة على الرغم من كون الموضوع طبيا وصحيا بحتا، ولكن هذا هو حال العالم العربي، وهذه النوعية من القرارات قد تكون مطلوبة في مسائل أخرى كالطيور والجمال والأبقار والماعز في حالات أخرى مرشحة للظهور «قريبا» بحسب بعض التقارير الصادرة.

هناك توجه عالمي بمراجعة أساليب رعاية المواشي والطيور وعلاقتها بالبشر، وهذه المراجعة ستتبعها تشريعات وقوانين وعقوبات تستوجب الجاهزية الجادة والقرارات التنفيذية الصارمة.

[email protected]