معنى مصيرية انتخابات لبنان

TT

تعتبر الانتخابات النيابية في لبنان مظهرا مميزا للنشاط السياسي في المنطقة، فعلى عكس الانتخابات شبه الديمقراطية أو المعلبة التي تجرى برعاية السلطة أو الحزب الحاكم، والتي تكون نتائجها محسومة سلفا كما هي الحال في بعض الدول العربية، تحتفظ الانتخابات النيابية اللبنانية بنكهة خاصة هي خليط من الديمقراطية والسياسية والطائفية والمذهبية والعشائرية وبعض الحزبوية. ولكن الأهم أن نتائجها تبقى رهنا بقرار الناس، وخصوصا الجزء الوسطي منهم، الذين يبقى خيارهم متأرجحا حتى اللحظات الأخيرة قبل إسقاط الورقة في صندوق الاقتراع. والمميز الآخر هو ارتباط هذه الانتخابات بشكل حميم مع التوازنات الإقليمية من توافقات وصراعات تؤثر على خيارات وتوجهات القوى السياسية المحلية وعلى المواطنين.

تجري الانتخابات النيابية هذه السنة في ظل انقسام كبير داخل المجتمع اللبناني حول البلد إلى معسكرين سياسيين يختلفان بشكل عدائي، ودموي أحيانا، على مجمل العناوين والشعارات. على هذا الأساس فإن توصيف قوى 14 آذار الانتخابات بالمفصلية والمصيرية ليس من قبيل التهويل، بل هو تعبير دقيق عن توقعات مؤكدة في حال تمكن الخط المتحالف مع سورية وإيران من الحصول على الأكثرية النيابية في الانتخابات القادمة.

فطبيعة النظام البرلماني اللبناني تضع كل السلطات عمليا في مجلس النواب لأن السلطات التنفيذية الأخرى من رئاسة جمهورية ومجلس وزراء هي بالمحصلة نتاج التركيبة البرلمانية، مع أن التجربة في السنوات الأربع الماضية أكدت على أن وجود الأكثرية البرلمانية في يد 14 آذار لم يطلق يدها في مسألة الحكم، الذي بقي خاضعا لمنطق التعطيل الابتزازي من قبل قوى الثامن من آذار، على خلفية امتلاك هذا الفريق قدرات عسكرية خارجة عن سلطة الدولة، مكنها من كسر القرارات الشرعية عن طريق استعمال العنف أو التهديد به، كما حصل في السابع من أيار 2008.

ولكن، ورغم كل ذلك، بقيت الشرعية الوطنية والدولية في يد الحكومة التي تعبر بأكثريتها عن توجهات قوى 14 آذار، وهذه الشرعية هي التي مكنت لبنان من تثبيت خيارات سيادية واضحة واستدراج دعم دولي لها، بما يخص العلاقات مع سورية، والتي تمثلت بعد طول مخاض بإنشاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وهو ما يشكل اعترافا غير مسبوق من قبل سورية بوجود الكيان اللبناني. كما أن المسائل الأخرى مثل ترسيم الحدود الجغرافية والسياسية لا تزال جزءا من ضغوطات المجتمع الدولي على سورية، بالإضافة إلى مسألة القرارات الدولية المرتبطة بالموضوع السيادي، مثل القرارات 1559 و1701 وغيرها. والمسألة الأهم هي أن وجود هذه الأكثرية النيابية هو ما سمح للحكومة بالمضي قدما في مسألة إنشاء المحكمة الدولية، وما سمح أيضا بتسهيل إجراءات التحقيق والتوقيفات على الأراضي اللبنانية.

كل هذا يعني عمليا أن حصول 8 آذار سيؤدي إلى تهديد كل ما سبق، وسيشجع النظام السوري على التراجع عن كل الإجراءات السابقة، أو على الأقل وقف التقدم بها. أما من ناحية المحكمة الدولية فإن وجود حكومة غير متعاونة في لبنان سيؤدي حتما إلى عرقلة مسارها بشكل كبير.

من جهة ثانية قد يكون «حزب الله» محقا، من وجهة نظره، في عدم مفصلية الانتخابات لأنه يعتبر أن المعادلة السياسية التي أوجدها واقع كون هذا الحزب المسلح خارج إطار المسار الديمقراطي، لن تسمح بتغيير المعادلة القائمة حاليا حتى ولو تجددت أكثرية 14 آذار في الانتخابات القادمة.

أما في حال فوز 8 آذار فلن يشكل ذلك أيضا تقدما كبيرا بالنسبة إلى هذا الحزب غير المستعد حتى الآن للقبض على الحكم تحت مبدأ ولاية الفقيه لأسباب متعددة، لذلك فهو يصر على مسألة المشاركة لحاجته إلى غطاء شرعي واسع في الوقت الحالي للتعامل مع المجتمع الدولي، كما أن تسلمه الحكم سوف يجبره على التخلي بشكل واسع عن وضعه كحالة ثورية، والالتزام بمنطق الدولة وما يستتبعه من مسؤوليات ومساءلة.

بالمحصلة، وكما هو معروف، فإن أربعة أخماس المقاعد النيابية محسومة عمليا لدواعٍ أكثرها مرتبط بالوقائع المذهبية والطائفية، ويبقى عنصر التشويق مرتبطا بحسم نتائج الخمس الأخير الذي سيؤمن الأكثرية لطرف من الاثنين، أو قد يحجبها عن الاثنين في حال وصول كتلة وسطية تفرض التوازن وتمنع الحسم.

* نائب في البرلمان اللبناني