الذكاء العادل والدهاء الظالم

TT

أدخلت وزيرة الخارجية الأميركية الجديدة ـ نسبيا ـ السيدة هيلاري كلينتون شعارات جديدة في عملها السياسي، فرفعت شعار «القوة الذكية» SMART POWER كمعيار للسياسة الخارجية التي سينتهجها البيت الأبيض تحت الإدارة الجديدة للرئيس باراك أوباما.

كلينتون امرأة ذكية، لا أحد يشك كثيرا في ذلك. لكن أذكى الناس ـ كأحمد زويل أو بيل جيتس ـ قد يكون أغبى الناس سياسيا، فالذكاء بمعاييره العلمية لا يضمن بالضرورة دبلوماسية «ذكية». وقد فسر مؤيدو كلينتون ـ ورئيسها الجديد ـ القوة الذكية بأنها استخدام القوة، ولكن بذكاء، في مفارقة تباعد من سياسة البيت الأبيض الحالية عن تلك التي قادها الرئيس السابق جورج بوش طيلة السنوات الثماني الماضية، على اعتبار أن بوش استخدم القوة ولكنها كانت «قوة غبية»!

القوة ـ بمدلولاتها السياسية التقليدية ـ تعني اللجوء إلى القوة العسكرية، أي بمعنى آخر: الحرب، والحرب تعني الدمار والموت والقتل والمآسي. ومن يدري: فقد يأتي يوم نتحدث فيه عن حرب ذكية وأخرى غبية!

في منطقتنا ـ ويتفق معنا كثيرون في مناطق أخرى في العالم ـ نعتقد أن التغيير الحقيقي في أي سياسة أميركية في الشرق الأوسط تعني وقف السياسة الإسرائيلية في الاستيطان واستمرار احتلالها للأراضي العربية. إن الذكاء الحقيقي يرتبط بالعدل، والدهاء غير الذكاء، فقد تكون داهية تستخدم ذكائك لمآربك ومصالحك ضاربا عرض الحائط بمصالح الآخرين، لكنك تختلف عن الذكي الذي يسخر ذكاءه لمصلحته والآخرين معا. ليس من مصلحة الولايات المتحدة الأميركية استمرار تأييدها غير المشروط لسياسات إسرائيل العدوانية، ومن يعتقد عكس ذلك فهو ينتهج سياسة «القوة الغبية» أو «الدهاء الظالم». التلميح الأميركي بضرورة انضمام إسرائيل لمعاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل فصل جديد في العلاقة الأميركية ـ الإسرائيلية. مناصرو إسرائيل اعتبروه «غباء» من الإدارة الجديدة. الخائفون على باراك «الغض» سياسيا، تمنوا لو تأخر ببالون الاختبار هذا، لكن المؤيدون للحق «الذكي» يرون في هذه المطالبة ذكاء عادلا من أوباما.

الانطباع السائد أن كلينتون أكثر تأييدا لإسرائيل من رئيسها، وهي امرأة طموحة تريد أن تبقى في الصورة العامة أطول مدة ممكنة لأنها لم تتخل عن طموحها في الوصول إلى البيت الأبيض، وقد تجد نفسها بين خيارات استحقاق «الذكاء العادل» والمطالبة بوقف الاستيطان الإسرائيلي، وبين «الدهاء الظالم» أي الدعم المفتوح لإسرائيل.

يقال بأن وقف المساعدات الأميركية البالغة عشرة بلايين دولار لإسرائيل في عهد الرئيس بوش الأب لمطالبته بوقف الاستيطان الإسرائيلي كانت أحد أسباب سقوطه في الانتخابات لصالح كلينتون الزوج عام 1992.

كيف سيتعامل جورج ميتشيل ـ صانع السلام الايرلندي ومبعوث باراك للشرق الأوسط ـ مع وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد أفيغدور ليبرمان؟ كيف ستطالبه كلينتون بوقف المستوطنات وهو أحد سكانيها؟

اللوموند دبلوماتيك كتبت مستغربة موقف أوروبا المرحب بليبرمان أثناء زيارته قبل أيام، وهي التي رفضت التعامل مع حكومة حزب الحرية النمساوي بقيادة يورج هايدر «العنصري». الموقف الأوروبي أرغم هايدر على الاستقالة من قيادة حزبه عام 2000، لكن «الدهاء الظالم» يرحب بمستوطن على أرض غيره أتي من ملدوفا، حيث كان يعمل «فتوة» في ناد ليلي!

معايير الأخلاق تربط الذكاء بالعدل، بينما ترتبط كلمة الدهاء بالظلم وبالخبث. كلمة SMART تختلف باللهجة البريطانية عنها باللهجة الأميركية، «فسمارت» البريطانية صفة تعني «أنيق»، بينما نظيرتها الأميركية تعني «ذكي». «سمارت» البريطانية تصف الشكل الخارجي، بينما تصف «سمارت» الأميركية العقل واللب، وما بين المظهر واللب، فارق كبير. ترى! هل تتغير السياسة الأميركية «لُبّا» أم تبقى وصفا بريطانيا للمظهر الخارجي فقط!

فلنعط أوباما 100 يوم آخر في البيت الأبيض، وننتظر!