جامعة عفت

TT

في مطلع القرن العشرين آثر رجل من مدينة جدة، هو الحاج محمد علي زينل أن يضيء شمعة بدلا من أن يلعن الظلام فأنشأ مدرسة الفلاح، وهي أول مدرسة عصرية في تاريخ البلاد، وتشككت الدولة العثمانية التي كانت تهيمن على هذا الجزء من البلاد ـ آنذاك ـ في نواياه، ولم تمنحه الترخيص اللازم ـ في بداية الأمر ـ لإنشاء المدرسة، لكنه مضى في مشروعه، فكان يحضر التلاميذ سرا بعد صلاة المغرب إلى مقر الدراسة، ثم يعيدهم إلى دورهم بعد صلاة العشاء، وحينما غدت جدة بعد ذلك جزءا من الكيان الذي وحده الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أمدت الفلاح هذا القائد الملهم بمجموعة من خيرة الكوادر الوطنية التي أسهمت في بناء الدولة الحديثة.

وعلى الضفة الأخرى من النهر الإنساني يظل عالم المرأة السعودية يحتفظ باسم براق، نابه، نبيل، هو اسم الأميرة عفت الثنيان، التي استشعرت معاناة المرأة السعودية، وحاجتها إلى التعليم العصري أسوة بغيرها من نساء العالم، فأنشأت في عام 1955 في جدة واحدة من أهم مدارس البنات ذات القيمة التاريخية، والعلمية، والحضارية، في وقت ساد فيه التحفظ على تعليم المرأة من قبل الكثيرين، فكانت مدرسة دار الحنان أحد المشاعل الكبيرة، التي أضاءت الطريق لقوافل التعليم النسائي، التي أتت بعد ذلك.

وبرعاية أمير منطقة مكة المكرمة، الأمير خالد الفيصل تحتفل ـ غدا الأحد ـ الجامعة التي تحمل اسم هذه الأميرة الرائدة عفت بانطلاقتها كأول جامعة أهلية نسائية سعودية غير ربحية لتسهم مع غيرها من مؤسسات التعليم الجامعي في تحقيق نهضة البلاد التعليمية، التي من شأنها أن تجعل الغد أكثر بهاء، وضياء، وإشراقا.

أكتب عن هذه الجامعة اليوم ـ وقد كتب قبلي الكثيرون ـ ليس احتفاء بهذا الصرح التعليمي الكبير فقط، ولا للإشادة بهذه الأميرة العظيمة فحسب، ولكن ـ أيضا ـ لتقديم نموذج اقتداء، لعله يحفز القادرين على تقديم إسهامات موازية في خدمة أوطانهم، ومجتمعاتهم، فللأوطان حق في ضمائر المخلصين.

وأختم بما قاله أحد الكبار الرائعين: «لا تسألوا عما تستطيع بلادكم أن تقدمه لكم وإنما اسألوا أنفسكم عما تستطيعون أنتم تقديمه لبلادكم».

[email protected]