في بيته حارسة!

TT

ترسخت صورة إحسان عبد القدوس في الذاكرة العربية على أنه كاتب حب وعشق وإباحة. وقيل فيه إنه لم يرزق ببنات فأعطى لنفسه حرية خلع الأعراض واقتحام المخادع. وزاد من شهرة إحسان وعمَّق من صورته تلك، أن معظم رواياته تحولت إلى أفلام شاهدها مئات الآلاف من الناس. وكان اسم مؤلف الرواية يرتفع على الملصقات الدعائية قبل أسماء أبطال الفيلم، بمن فيهم فاتن حمامة.

أما الصورة الأخرى عن إحسان، فكانت صورة الابن المدلل. أمه فاطمة اليوسف صاحبة «روز اليوسف»، ولذلك فُتِحت أمامه الأبواب واسترضاه السياسيون واستقبله الصحافيون ورعوه، خصوصا العقاد والتابعي. والصورة الثالثة، أن إحسان كان زير نساء، فاسدا في الواقع، ومفسدا في الخيال.

وهذه الصور الثلاث طمست كليا الجانب الأكثر عمقا وحقيقة في شخصية الرجل. لقد كان إحسان كاتبا سياسيا شغوفا وحادا. تعرض للسجن أيام فاروق، ثم سجن بعد الثورة. وقد روى ذات مرة إحدى أطرف قصص السجن السياسي لدى العرب أو في العالم.

فقد أمر الرئيس جمال عبد الناصر العام 1953 باعتقاله وحبسه. وبعد ثلاثة أشهر من الاعتقال تم الإفراج عنه. وفي يوم خروجه من السجن اتصل به عبد الناصر ودعاه إلى العشاء: «وظل يدعوني كل ليلة، نتعشى ونتحدث ونتفرج على فيلم سينما. استمر ذلك ثلاثة أشهر كاملة، أي فترة موازية لفترة الاعتقال». ودخل السجن المرة الأولى العام 1945 أيام النقراشي باشا إثر مقال في «روز اليوسف» بعنوان «هذا الرجل يجب أن يذهب» يتناول المفوض السامي البريطاني اللورد كيلرن. وبعد إدخاله السجن اتصل النقراشي بوالدته فاطمة اليوسف، يعتذر منها.

وروى إحسان أنه نجا من أربع محاولات اغتيال، دبرت إحداها دولة مجاورة. وبعد المحاولة الأولى التي دبرها عباس حليم ذهب هذا يزوره في المستشفى، حيث يعالج من الطعنات القاسية. وفي المرة الثانية تعرض منزل مصطفى النحاس لمتفجرة فذهب يغطي الحدث، فظنته الجماهير الغاضبة الفاعل، فهاجمته «بالنبابيت والخناجر والحناجر» فلجأ إلى منزل عبد العزيز البدراوي المواجه لبيت النحاس وظل محاصرا إلى أن هرب من سطح إلى سطح. وفي اليوم التالي أرسل له وزير الداخلية مسدسا يحمي به نفسه.

وشكره على الهدية، لكنه أدرك أنه لا يجيد إطلاق الرصاص، لا هجوما ولا دفاعا، فبحث عمن يستطيع ذلك. وعثر على المطلوب في منزله. لقد كانت زوجته «لواحظ» من أفضل الرماة. ومنذ ذلك الوقت كانت تتولى الحراسة مثل أي «بادي غارد» مدرَّب. وهكذا وجد صاحب «في بيتنا رجل»، في بيته حاملة مسدس.