مايسترو هنا ومايسترو هناك!

TT

مايسترو عالمي جاء إلى القاهرة فأزعج عددا كبيرا من الناس لأنه إسرائيلي برازيلي نمساوي فلسطيني. المايسترو بارنبويم عزف منفردا على البيانو. فكان رائعا. ثم قاد الأوركسترا السيمفوني المصري ليعزف السيمفونية الخامسة لبتهوفن. وهى المسماة بسيمفونية القدر. فعندما انهزمت المانيا في الحرب العالمية الثانية كانوا يعزفونها ليلا ونهارا. فأيقن الشعب الألماني أن دقات السيمفونية هي ضربات القدر. وأن القدر الحزين على الأبواب.

وهذه السيمفونية هي من روائع الموسيقار العظيم. ثم ألقى المايسترو كلمة تحدث فيها عن السلام وأنه يخجل من أهله الذين يحتلون أرضا فلسطينية بلا وجه حق. وأن هذا رأيه قبل أن يجيء إلى مصر. فهو عضو في جماعة (السلام الآن).

ولم يذكر أحد من الذين استمعوا إليه أن مايسترو مصريا قد ذهب إلى القدس وقاد إحدى الفرق الموسيقية الكبرى في إسرائيل.. أنا حضرت هذه الحفلة في مدينة القدس والمايسترو اسمه أحمد الصعيدي. وكان ذلك حدثا لم يتهيأ له كثيرون. ولا أعرف كيف تم الاتفاق على ذلك..

وامتلأت القاعة بكل الألوان السياسية والدينية. ولكن لاحظت شيئا غريبا. ولا أدعي أنني لاحظت وإنما هو الهمس والهمهمة والتلفت هنا وهناك قد أثارني ونظرت حولي ولم أفهم . ثم لاحظت بوضوح شديد أن عازف البيانو شاب شديد الاضطراب. وأن هناك محاولات لتهدئة هذا الشاب. ولا أعرف كيف أقنعوه فاعتدل ومضى في العزف.

وتساءلت بعد ذلك. فقائل يؤكد لي أن السبب هو أن المايسترو مصري. وقائل بأن السبب هو أن حركات المايسترو أبطأ مما يجب. وانتهى الحفل. ولم أعرف الحقيقة وسافرت. ولم أقرأ في صحف إسرائيل تفسيرا لما حدث. لعلهم أرادوا أن يسكتوا عن الذي حدث.. لأنه طبيعي أن يغضب أحد لهذا النوع من التطبيع الثقافي. وطبيعي أيضا أن يرضى آخرون عن هذا القدر الضئيل من التطبيع.. مع أن هناك تطبيعا دبلوماسيا وسياسيا وتجاريا بين مصر وإسرائيل والأردن وقطر ودول أخرى في المنطقة العربية.

ولذلك لم أستغرب أن يضيق مصريون من كل لون سياسي بمايسترو من إسرائيل في أوبرا القاهرة..

ولا يتساءل الناس إن كانت الأدوات والعقاقير التي يتناولونها يهودية أو إسرائيلية رأس المال؟! مع أن المال والسلع والرياضة والفن العالمي لا جنسية له ولا دين..