لا لتعديل المبادرة

TT

المبادرة العربية وُلدت كمعجزة سياسية في ظروف جيدة على غير المألوف، يوم كان هناك توافق عربي قصير الزمن مكّن الجميع من القبول بها. ولا يعقل بعد أن وقّعت عليها كل الدول العربية والدول الإسلامية أن تعاد ولادتها. معجزة لأنه يندر أن يتفق العرب على مشروع سياسي حيال أي قضية، وتحديدا النزاع مع إسرائيل.

لذا فإن الحديث عن تعديل العرض العربي للسلام يعني عمليا كسر المبادرة، لأنه سيعيد التصويت عليها من جديد. وهو أمر مضمون الخلاف عليه كأي شأن يُطرح للتصويت مثلما حدث أمس في انتخاب رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، حيث انقسم العرب بين مؤيد للمرشح القطري ومؤيد للمرشح البحريني.

نحن هنا نتحدث عن مأساة بشر لا لعبة كرة قدم، ملايين المشردين، وملايين الذين يسكنون تحت بنادق الاحتلال.

والمبادرة العربية بالفعل هدية ثمينة من العرب، على الجانب الأميركي أن لا يستهين بها، أو يفرّط فيها، لأنها الوحيدة التي ضمنت الاعتراف الجماعي بإسرائيل، لا تقارن في أهميتها باتفاق وادي عربة أو سلام كامب ديفيد. إنها ستضمن أضخم سلام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بتصديق نحو خمسين دولة من عربية وإسلامية عليها. ستحل قضايا ثلاث دول، وستصحح أوضاع عشرات المنظمات لتصبح مؤسسات مدنية منزوعة السلاح، وستضمن تخفيض حجم التسلح بين الدول المتواجهة.

كنت في بيروت عندما أقرت المبادرة العربية في القمة، الحقيقة لم أصدق عيني وأنا أرى سورية، والسودان، وليبيا، والجزائر، والعراق الذي كان تحت حكم صدام، كل هذه الدول الثورية الرافضة، توقع على المبادرة بكامل بنودها. وكانت بنودها من الوضوح إلى درجة تضمنت التزامات تستحي الحكومات عادة من التلفظ بها في الأماكن العامة، مثل الاعتراف بإسرائيل، مما يعني أنها لم تكن في حاجة إلى ملاحق سرية.

وبالتالي فإن من يقول اليوم بتعديل المبادرة عمليا يدعو إلى إجهاض الفرصة الوحيدة الممكنة للسلام. ويعني أنه يرفض اليوم ما سيقبل به غدا، ربما بعد عشر سنين أو عشرين سنة، بعد المزيد من حمامات الدم والفوضى والعنف.

صحيح أن المبادرة ليست كتابا مقدسا، لكنها نتيجة غير عادية، وأي إجراء عملية جراحية عليها سيتسبب في المزيد من النزيف وربما التراجع.

الذي يريد التخلص من المبادرة إما لأنها تسبب له حرجا أو تُفقِده مغانمه مثل إسرائيل وإيران. ففي إسرائيل فريق متعصب دينيا، لا يمكن أن تناقشه عندما يبني سياسته على دعاوى أرض الميعاد لا على أرض الواقع. وكذلك الأمر في إيران التي تجد في الاستخدام الديني للسياسة مبررا لمد نفوذها على بحر من مئات ملايين العرب، تريد دغدغة مشاعرهم ودفعهم نحو المزيد من الفوضى باسم تحرير كل فلسطين والقضاء على اليهود المحتلين.

من لم يتعب من السياسة يعلم أن المبادرة العربية، بتفاصيلها الدقيقة في التعامل مع الخلافات مع إسرائيل، تُعتبر خطوة متقدمة جدا، وسيكون تطبيقها صعبا على الجانب العربي لا الإسرائيلي وحسب. تعديل المبادرة سيضيع الوقت والفرص الثمينة والسلام الذي يحلم به العالم للشرق الأوسط.

[email protected]