دعاوى أوباما القضائية تجري بالوكالة

TT

تحقق سلبية الرئيس أوباما إزاء الدعاوى القضائية الأجنبية التي يتم التهديد بها ضد مسؤولين في إدارة بوش من خلال هذا المنحى المتراخي ما يخشى أن يحققه بصورة مباشرة. وربما تكون هذه سياسة ذكية داخل الحزب الديمقراطي، ولكن بها مخاطرة بإلحاق ضرر كبير على المدى البعيد بالولايات المتحدة. ومن المثير للسخرية، فإن هذا الأمر يمكن أن يعود أيضا لينال من مسؤولي إدارة أوباما، بمن فيهم الرئيس، بسبب سياساتهم الحالية في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى.

لقد اتخذ أوباما مواقف غامضة ومتناقضة إزاء مقاضاة مستشاري وصانعي القرارات خلال إدارة بوش بسبب استخدامهم «وسائل الاستجواب القاسية». وعلى الرغم من أنه أضفى حصانة على العملاء الاستخباراتيين الذين أجروا تحقيقات، فإن المعنويات داخل وكالة الاستخبارات المركزية تسجل معدلا منخفضا على نحو غير مسبوق. ومع أن الرئيس يروق للجمهور على الصعيد السياسي، فإن المبادئ المفهومة ضمنا من سياساته غامضة، كما أنها عرضة للتغيير المستمر. ونادرا ما يمثل هذا المنحى القيادة. وعلى الرغم من الشكوك والغموض، فإن التطورات في الخارج تجري بسرعة، فقد بدأ القاضي الإسباني بالتازار غارزون تحقيقا رسميا أخيرا بخصوص الأدوار التي لعبها 6 محامين في إدارة بوش فيما يتعلق بتقديم استشارات حول وسائل التحقيق. وقام غارزون بذلك، على الرغم من اعتراضات المحامي العام الإسباني، مثلما قام عام 1998 بإجراءات مشابهة ضد الرئيس التشيلي أوغستو بينوشيه. وطبقا للنظام القضائي الإسباني، فإن غارزون لا يخضع للمحاسبة مهما كانت رؤى الحكومة المنتخبة في إسبانيا. وذهب وزير العدل الأميركي إريك هولدر إلى ما هو أبعد، حيث أشار إلى أن إدارة أوباما يمكن أن تتعاون. وقال هولدر: «بوضوح، فإننا سوف ننظر في أي طلب يمكن أن يأتي من محكمة داخل أي دولة ونرى ما إذا كنا سنلتزم بذلك وكيف سيكون ذلك». ويعد هذا الأمر مثيرا للمشاكل بصورة كبيرة. ويبدو أن أوباما يسير على أثر جون إرليكمان، ويسمح «بالضغط» على المحامين الأميركيين «شيئا فشيئا». والتحقيق الذي يقوم به غارزون لا علاقة له بالتحقيقات الذي تجريها الشرطة في المعتاد عندما يكون سائح أميركي في الخارج قد تعدى على بعض القوانين المحلية. وفي الواقع، فإنه مما يظهر بصورة عامة، فإن المسؤولين في القنصليات الأميركية سوف يقومون مع السائح بأكثر مما يقوم به أوباما مع مسؤولي إدارة بوش. وإذا كان أوباما يسعى إلى إنهاء التحقيق الذي يجريه غارزون، فسيكون ذلك واحدا من أفضل الأسرار التي نحتفظ بها على مدار عقود. ومع أن المحامين الستة في موقف خطر، فهم ليسوا إلا مجرد أهداف حالية. ولكن، المستهدفين حقيقة هم الرئيس بوش، ومستشاروه الكبار، والهدف الحقيقي هو ترويع المسؤولين الأميركيين كي يترددوا في اتخاذ قرارات صعبة وضرورية لحماية أمننا القومي. ولا يوجد مطلقا نقص في منتقدي السياسة الخارجية الأميركية. وعلى سبيل المثال، قالت المفوضة السامية بالأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ماري روبنسون، خلال الحرب بين الناتو وصربيا على كوسوفو إن «القتلى والمصابين من المدنيين يعتبرون من ضحايا حقوق الإنسان». وتساءلت: «إذا لم يكن ممكنا التأكد مما إذا كانت هناك حافلات مدنية على الجسور، فهل يجب تدمير هذه الجسور؟».

والسؤال هنا ليس: هل يوافق المرء أم لا يوافق على الاستشارة التي يعطيها المحامون أو مع قرارات المسؤولين في مناصب تنفيذية أعلى فيما يتعلق بوسائل التحقيق. وليس هو: هل يؤمن المرء بأنه يجب على وزارة العدل الأميركية أن تبدأ تحقيقا جنائيا في كلا الأمرين. (أؤمن بشدة أن الاختلافات في السياسات الجنائية غير ملائمة ومدمرة).

ولكن، السؤال المهم هو: من يحكم على التصرفات الرسمية التي يقوم بها الموظفون الأميركيون في الوقت الذي يشغلون فيه مناصب حكومية؟ هل السلطتان التنفيذية والقضائية، في إطار الهياكل والحماية التي ينص عليها الدستور، أم قضاة دوليون أو أجانب لا يمكن محاسبتهم في بعض المحاكم البعيدة التي لا يمكن محاسبتها؟ الموقف الأميركي الصحيح يجب أن يكون هو التأكيد على أن دستورنا وحده من يحكم أي مراجعة للتصرفات التي يقوم بها المسؤولون الأميركيون.

وتعد الوسائل الدبلوماسية التي تجري وراء الحجب الطريقة الأمثل غالبا، وفي بعض الأحيان، الوحيدة، لتنفيذ أهداف سياسية مهمة، ويأمل المرء أن يكون هذا ما يحدث حاليا. ولكن في هذه القضية، فإن التصريحات العلنية الصارمة ضرورية لوقف التحقيق الإسباني المحتمل ولإثناء الآخرين عن المضي قدما في مثل هذا. ويجب على الرئيس أن يتخلى عن سياسة إرليكمان هذه وأن يعلن بصورة قطعية أن إسبانيا يجب أن تتخذ الإجراءات الضرورية لإيقاف غارزون.

ودون ذلك، فإنه خلال أربعة أو ثمانية أعوام، مثلما قامت ماري روبنسون من قبل، فإن منتقدين سوف يقولون إن هجمات الطائرات دون طيار الأميركية في باكستان تمثل جرائم حرب أو أنه يجب نقل رئيس الأركان السابق للمحاكمة داخل دولة ما. وعلى أي حال، فإن قراراته تتضمن المخاطرة بموت مدنيين، وليس مجرد ضرب إرهابيين في الحائط (دون دعامة لحماية الرقبة).

هل ستعارض خليفة أوباما بشجاعة شرعية الدعاوى القضائية الأجنبية أم هل سوف تسير على إثر سياسة أوباما الحالية وتسمح ببدء التحقيق الأجنبي، وربما يصل الأمر إلى المحاكمة؟ يجب على أوباما ومستشاريه أن يفكروا بحرص في السيناريو القادم، من الآن.

* زميل بارز في معهد «أميركان إنتربرايز» والسفير السابق للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة من أغسطس (آب) 2005 حتى ديسمبر (كانون الأول) 2006.. كما أنه مؤلف كتاب «التنازل ليس خيارا: دفاعا عن أميركا في الأمم المتحدة والخارج» (سيمون آند سكوستر 2007).

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»