موريتانيا في عنق الزجاجة.. ولكن

TT

لا شك في أن الوضع الحالي في موريتانيا متأزم ومفتوح على أكثر من سيناريو، ولا شك أيضا في أن الأزمة السياسية الدستورية قد طالت وما زالت التجاذبات على أشدها والعزلة الدولية لموريتانيا في تفاقم.. ولكن رغم كل هذه المؤشرات السلبية فإن حالة التجاذب في حد ذاتها نقطة إيجابية تُحسب لصالح الموريتانيين، ذلك أن الانقسام في المشهد السياسي وكذلك في الشارع الموريتاني دليل على عدم الاستكانة، وأنه بالفعل تأسست تقاليد أولية في مجال ممارسة الديمقراطية في موريتانيا. فمنذ تاريخ وقوع الانقلاب في شهر أغسطس الماضي وموريتانيا تعيش في حالة حراك تعكسها بأمانة مظاهر الاستماتة من أجل الديمقراطية والحل الدستوري. وبدأت مظاهر الاستماتة تتأكد وتشتد مع إعلان الجنرال محمد ولد عبد العزيز زعيم المجلس العسكري للرئاسة ترشُّحه للانتخابات الرئاسية المقررة في 6 يونيو المقبل، وهو ما ينبئ بأن درجة الحرارة في المشهد السياسي الموريتاني ستكون مرتفعة جدا، وحسب طاقة الموريتانيين على الانتصار للدستور وعلى التشبث برفض الانقلاب وتصحيح الوضع.

فالعزم على مواصلة المسار الديمقراطي ورباطة جأش المعارضة في هذه المسألة مؤشران يدلان على أن الخطوة التي حققتها موريتانيا في مجال الديمقراطية قبل حصول الانقلاب هي خطوة حقيقية وليست شكلية، وأنها بالفعل خطوة استحقت مباركة العالم لها ووصفها بأول ديمقراطية حقيقية وليدة في الفضاء السياسي العربي. ولأنها خطوة فعلية ونتاج نضال وقناعات، فإن الأمر بعد الانقلاب لم يستتب، ولم يقبل قسط مهم من الموريتانيين الإطاحة بتلك الخطوة. فرأينا عبر شاشات الفضائيات مشاهد نضال مشرّفة منها ما يخص المرأة الموريتانية وهي مشاهد إن كانت تُعبر للوهلة الأولى عن حالة من القمع السياسي يمارسها المجلس العسكري للرئاسة ضد خصومه من المعارضين، فإنها في نفس الوقت تحمل مظاهر استماتة من أجل مواصلة المسار الديمقراطي، ذلك أن المشكلة ليست في محاولة الإطاحة بالديمقراطية أينما كانت، بل في القبول السلبي والرضوخ والخنوع لتك المحاولة.

لذلك فإن قرار المعارضة بمقاطعة الانتخابات وإصرار جبهة الدفاع عن الديمقراطية على النزول إلى الشارع واختياره إطارا سلميا للتعبير عن احتجاجها ضد ترشح الجنرال محمد ولد عبد العزيز للانتخابات الرئاسية القادمة، وأيضا تراجع رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية عن مناصرته لانقلاب 6 أغسطس بالحركة التصحيحية ساعتها، كل هذا يصب لصالح علوية الدستور والقانون، لا سيما وأن المعارضة تستند في رفضها ترشح زعيم المجلس العسكري للرئاسة إلى منع المادة 18 من الدستور الموريتاني للعسكريين من الترشح للرئاسة، مما يشير إلى أن الانتخابات القادمة لن تكون سهلة. ناهيك أن تعليق الاتحاد الأوروبي لمشاوراته مع قادة الانقلاب وتوقيفه المساعدات والتعاون مع موريتانيا، سيعمق الأزمة السياسية وسيؤدي بمحاولة المجلس العسكري في امتصاص انعكاسات مشكلات الفقر والبطالة والعزلة والركود الاقتصادي إلى الفشل.

إذن موريتانيا حاليا في عنق الزجاجة، ولكن يبدو أن الرهان على جدية الطموح الديمقراطي وتوفر المنتصرين له والمناضلين من أجله، سيجعل موريتانيا تخرج من عنق الزجاجة ومن الأزمة وقدمها أكثر رسوخا في المسار الديمقراطي، ولقد لاحظنا كيف أن سقف التنازلات لصالح المعارضة بدأ يعلو، وإن لم يصل بعد إلى البنود الدستورية الواجب الاحتكام إليها.