البابا بين الإخوان وبقية المسلمين

TT

الإخوان المسلمون في الأردن، الذين أيدوا صدام، الذي ولغ في دم أهله ثلاثين عاما، وحزب الله حتى عندما اعتدى على إخوانه في بيروت، وقفوا معارضين لزيارة البابا ورافضين المشاركة في استقباله. موقف سياسي انتهازي مألوف يماثل موقف المتطرفين اليهود في إسرائيل، حيث أعلن كبار حاخامات يهود إسرائيل رفضهم استقبال البابا، أيضا.

مع هذا فالعالم تابع زيارة الضيف البابوي بنفس حب الاستطلاع، حيث يبدو منظرا غير مألوف. بنفس الفضول الذي عايشته عندما زرت قديما العاصمة الأردنية، ولاحظت الصليب المتدلي من سيارة الأجرة. فالسائق البدوي الأردني بعقاله وثيابه العربية، لم يكن إلا واحدا من القبائل العربية، التي بقيت على ديانتها المسيحية وسط بحر من العرب المسلمين. مثل العرب اليهود في اليمن، الذين هم أكثر يهودية من يهود نيويورك، وأكثر عروبة أيضا من عرب البرازيل، وأكثر يمنية من أهل صنعاء.

أخبار زيارة البابا بينديكت، في العالم العربي، أثارت فضول كثيرين، الذين رفعوا نسبة زيارة صفحة المسيحيين العرب في موسوعة ويكيبديا الإلكترونية. على الصفحة صور توضح من هم مسيحيو العرب، مشاهير مثل الأديب جبران خليل جبران، والمحامي رالف نادر، والممثلة سلمى حايك، والصناعي كارلوس غصن، وحتى الرئيس الأرجنتيني كارلوس منعم.

ورغم هذه الصور والأسماء والحضور التاريخي العريق، إلا أن زيارة البابا تبقى في أعين الكثيرين عملا سياسيا مهما، فالرجل يمثل مليار كاثوليكي في أنحاء العالم. فعندما وقف إلى جانب الفلسطينيين حرق الإسرائيليون صوره، والآن أعلن كبار حاخامات اليهود رفض استقباله. وعندما علق مرة بقوله: إن الإسلام انتشر بحد السيف امتلأت الشوارع بالمتظاهرين المسلمين ضده. ولا بد أن بابا الفاتيكان معتاد على أنه في كل عظة يلقيها سيغضب فريقا ما، وأكثر خصومه هم في الواقع من أتباعه داخل الساحة الكاثوليكية.

والحقيقة أن البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، البولندي الأصل، كان أكثر قدرة على التواصل مع العرب والمسلمين بشكل عام، من البابا الحالي. والعرب القدامى اعتادوا أكثر من عرب اليوم والغربيين على التعايش الديني لقرون طويلة، رغم وجود فترات صراع تاريخية قاسية، وهي صراعات دارت أيضا بين المسلمين مذاهب وفرقا مختلفة.

الزوبعة التي أثارها البابا الجديد كانت سطرا واحدا في محاضرة طويلة إيجابية، لكن في زمننا اليوم كلمة واحدة كافية لإشعال فتيل حرب دينية أو طائفية. عندما يقولها راعي الفاتيكان، أو إمام الحرم المكي، أو مفتي الأزهر، أو آية الله العظمى، تصبح مثل القنبلة النووية، ذات قوة تدميرية هائلة.

والمسلمون في العالم محتاجون اليوم إلى كل نصير يتفهم أوضاعهم، ويقف إلى جانبهم بسبب انتشارهم خارج أراضيهم. لهذا كانت دعوة حوار الأديان التي ظهرت من السعودية فرصة ثمينة، ليس من أجل منح البركة أو حل الإشكالات العقيدية أو حتى التاريخية، بل بكل بساطة تنظيم العلاقة وتحقيق السلام، بحيث كل يتعبد الله على طريقته وفي سلام. فالتطرف بات ظاهرة كل الأديان، اليهودية والمسيحية والإسلام وحتى البوذية، التي طالما تغنت بأنها فرقة متسامحة. وعندما أشاهد المحطات الدينية الإسلامية المنتشرة كالفطر في سمائنا، إخوانية وسلفية وصوفية وجعفرية وغيرها، أتذكر المحطات المسيحية في أمريكا التي يبكي فيها القساوسة المصلين بعظاتهم السياسية عن حق اليهود في أرض الفلسطينيين. لذا كان الترحيب ببابا الكاثوليك، الذي جاء للتعبير عن السلام الديني، وهو في طريقه إلى مغطس السيد المسيح، يعبر عن احترام من يريد التعايش والسلام.

[email protected]