كتبت الكثير عن بخلاء الأمس. ولكن ماذا عن بخلاء اليوم؟ هل اختفوا وانصلحت أمورنا وأصبحنا جميعا غارقين بالكرم؟ لا أرى شيئا من ذلك، والفقراء والجياع يحيطون بنا من كل صوب.
ثلاثة من بخلاء هذا الزمان خلدت ذكراهم في نفسي. وبالطبع كان أولهم أستاذنا عالي الجناب. كثيرا ما التقيت به في المؤتمرات الفكرية. لاحظت أنه كان يأكل أكل الذئاب الجائعة. يبدأ بالسمك ثم ينتقل للباميا والرز ويتبعها بالكباب والتكة، ثلاثة أو أربعة أشياش كبيرة، ويثني بالمحشي والدولمة ثم يعود للرز ثم يختمها بالتمر واللبن والبقلاوة. عجبت من أمره فسألته عن هذا الخليط العجيب فقال: يا أستاذ السمك لذيذ لكن رائحته كريهة. كيف تخلص منها؟ من يقتل هذه الرائحة غير الباميا. لكن الباميا فيها ثوم. فمن يقتل رائحة الثوم غير الكباب بالكرفس. والكباب دهين. فمن يقتل دهنه غير التمر. قلت له: يا دكتور يعني شنو؟ معدتك ميدان معركة ستالينغراد، قاتل ومقتول بالجملة؟ ضحكنا ولكنني لاحظت أن الدكتور لم يكن سمينا قط رغم كل هذا الأكل. فسألته. قال: لا تخاف يا خويه أبو نايل. أنا مثل الجمل أخزن هذا الأكل في سنامي وأقضي ثلاثة أيام لا آكل شيئا بعده.
وهذا ما اكتشفت. إنه قلما يأكل في بيته. يأكل في هذه المؤتمرات ويخزن الأكل الفكري للمؤتمر التالي.
غير أنه والحق يقال لم يبز في بخله ذلك الرجل الذي سمعته يقول لابنه الصغير وقد رآه يخرج من البيت راكضا: «ابني حسين لا تركض! لا تركض! بعدين الخبز والشاي ينزل في بطنك وتجوع».
بيد أنني أعطي كأس السباق لذلك البخيل الذي دخل في مناقشة مع زميله في موسم شتاء قارس اجتاح مدينة بغداد. قال له صاحبه: «يا أبو عبد الحق أنا ما يهمني البرد بالخارج. مشكلتي في البيت لما أنام في الليل وأتدثر باللحاف وأحمي نفسي من البرد وأشعر بالدفو. لكن أنا معدتي خربانة وتحصل منها غازات كثيرة. وكلما يحصل ذلك اضطر إلى رفع اللحاف لأتخلص من الرائحة الكريهة. فيذهب الدفو ويدخل الهواء البارد. هذي مشكلتي كل ليلة».
صححه زميله الحكيم: «لا يا حبيبي حسون، هذا مو عقل منك. أبدا مو عقل. تشيل اللحاف وتخلي هوا الغازات الحار يروح. هذا تبذير منك الله ما يرضى عليه. المبذرون إخوان الشياطين. أنا أفرح من يصير عندي هذا. لأن الغازات هواها حار ويدفي ويوفر لي الكثير من النار والنفط. خلي بالك يا ابن عمي. اسمع نصيحتي وخلي بالك لما تصير عندك غازات احبس هواها باللحاف زين وتدفا بيها».
www.kishtainiat.blogspot.com