العراق.. المشكلة في الثأر

TT

حوار حاكم العراق السابق بول بريمر الخاص مع زميلنا طلحة جبريل، المنشور يوم أمس، أكد على أن أحد أهم أسباب تعثر الاستقرار في العراق، منذ سقوط نظام صدام حسين السابق وحتى اليوم، هو الرغبة في الثأر، وانعدام روح المصالحة بين العراقيين أنفسهم.

وأول مؤشرات الرغبة في الثأر هو قرار حل الجيش العراقي، وليس الحديث عن «اعادة استدعاء الجيش»، كما قال بريمر في فذلكة لغوية. فقرار حل الجيش أدى إلى تسريح 600 ألف جندي عراقي، وإذا افترضنا أن كل رجل منهم يعيل ثلاثة أفراد فهذا يعني أن قرابة مليون وثمانمائة ألف مواطن عراقي قد أصبحوا بلا عائل!

والنقطة الأخرى التي كشفها بريمر هي قرار اجتثاث البعث والذي نتج عنه، بناء على قرار ساسة عراقيين، بحسب بريمر، تسريح 11 ألف معلم عراقي بحجة أنهم بعثيون، فهو يعني أيضا أنه في حال افترضنا أن كلا منهم يعيل 3 أفراد، فهذا يعني حرمان 33 ألف فرد عراقي من فرص العيش الكريمة.

وبالطبع الآن بدأنا نفهم ما كنا نسمع عنه من اغتيالات منظمة استهدفت المعلمين، والمحاضرين في الجامعات العراقية، ناهيك من الطيارين وغيرهم، فمن الواضح أن ذلك كان حملة قمع منظمة لكل من يعتقد أنه بعثي.

وعليه فبعد تسريح الجيش، وفصل البعثيين، وتعميق معاناة الأسر والأفراد العراقيين، فهل يعقل أن ننتظر استقرارا في العراق، خصوصا أن عددا لا يستهان به من المواطنين العراقيين قد شعروا بأنهم مستهدفون من عهد ما بعد صدام بدلا من أن يشعروا بعراق أفضل، وأكثر عدلا!

وبالتالي فإن العراق يعيش في دوائر متتابعة من الانتقام والثأر، وكل لديه أسبابه وأهدافه للأسف، والأخطر أن تضرر عدد كبير من العراقيين من قرار اجتثاث البعث، وقبله حل الجيش، كرس الطائفية، وغيرها من عوامل تقويض الدولة العراقية.

والمحزن أن السجال حول عودة من طالهم قرار اجتثاث البعث ما يزال قائما، بل هو عنصر أساسي في السياسة العراقية اليوم، وأداة من أدوات العراك السياسي في العراق، ولا توجد مؤشرات لحل هذه المسألة.

والحديث هنا ليس عن عودة حزب البعث، بل عن من تضرر من المواطنين العراقيين لمجرد أنهم كانوا بعثيين في زمان صدام حسين، فلا أحد يطالب بعودة من تلطخت أيديهم بالدماء.

ما يحتاجه العراق اليوم هو نفحة من التسامح، والمصالحة، والعدالة، عدالة الدولة، لا عدالة الحالمين، من أجل أن يتجاوز هذه المرحلة المهمة في تاريخه الحديث والتي تتمثل بخروج القوات الأميركية.

فما لم يشعر العراقيون، بمختلف شرائحهم، ومشاربهم الدينية والفكرية، أن العراق الأم هو الحاضنة، وهو القبة التي يلتقي تحتها كل العراقيين ليناقشوا قضاياهم ومشاكلهم، فإن أعداء العراق سيجدون كثيرا من المغبونين والمحبطين المستعدين للانخراط في حمل السلاح، وسيكون الضحية بالطبع العراق.

إن كل ما يحتاجه العراقيون اليوم، وقبل كل شيء، هو قليل من التشكيك، وكثير من التسامح. فالأوطان لا تبنى بالحقد والثأر، وتصفية الحسابات.

[email protected]