نقاش حول المبادرة

TT

عندما كتبت قبل يومين بألا نقبل بتعديل المبادرة العربية للسلام، وجدت حولها نقاشا ذكيا ومثيرا، تخللته مراجعات تاريخية. المبادرة في أساسها مثيرة فكرة وتفصيلا، وأثبتت أنها حجر الزاوية، والتعامل معها ضرورة هذا العام، أو بعد عشرين عاما.

ومن هنا أجيب الأخ حمد الشريف الذي تساءل مستنكرا: ما أهمية المبادرة طالما أن إسرائيل ترفضها منذ سبع سنوات؟. السبب أنها حاصرت إسرائيل بمشروع محدد المواصفات يملك مغريات تجعل منافسته بأية أفكار إسرائيلية أو أجنبية غير جذابة. أيضا حاصرت المبادرة الحكومات العربية التي اعتادت على القفز على الحبال، حيث وقعت عليها رسميا، ولو تنصلت منها غدا ستبدو أمام شعبها ساقطة المصداقية. وهذا ما نبه إليه الدكتور ماهر حبيب من كندا إلى التشكيك بهذه الفرضية، حيث قال إنه «عند استحقاق التنفيذ سوف تتنصل دول الصمود والتصدي عبر جهاد الفضائيات». بالفعل لا توجد وسيلة لفرض الالتزامات. ومع هذا أراهن بأن المبادرة ستضمن التزام أغلبية الدول العربية. المبادرة غيرت التفكير العربي، وحتى اللغة الدبلوماسية، ففي الماضي كانت الدول العربية، بما فيها المعتدلة، تخاف من التلفظ بكلمتي سلام، واعتراف.

إما السيدة زينة شهاب، فقد اقترحت أن تستعجل الدول الخليجية فتعترف بإسرائيل الآن من أجل إحراج نتنياهو ودفع المبادرة. أجزم أن لا شيء يحرج نتنياهو، كما أنه لا تصلح مقارنة خطوة السادات بخطوة خليجية مماثلة بسبب الجغرافيا. والسادات لم يعترف إلا بعد أن أخذ صفقة كبيرة شملت استعادة أرض مصر المحتلة. دول الخليج، بالنسبة لإسرائيل، هي الكعكة، وبالتالي يفترض أن تبقى الطبق الأخير على طاولة العشاء. فاعتراف السعودية أو الكويت الآن بإسرائيل سيجعل الإسرائيليين أقل حرصا على تقديم تنازلات، لأن مصالحهم الاقتصادية والسياسية الكبرى تكون قد تحققت مجانا. المبادرة مشروع جماعي، لا فردي، صمم بطريقة تحمي كل دولة من اللوم العربي، أو الاستفراد الإسرائيلي.

أما الأخ يونس حميدو من المغرب، فقد روى قصة قمة بيروت قائلا بأن المبادرة جاءت خالية من الإشارة إلى مشكل اللاجئين، لولا أن الرئيس اللبناني السابق إميل لحود أصر على «التنصيص»، ورفض توطين الفلسطينيين وحق العودة. وإن موقف لحود هذا هو ما جلب عليه حملة معادية، وجعله شخصا غير مرغوب فيه. الحقيقة أنها رواية لا أساس لها من الصحة. فالرئيس لحود لم يكن له دور يذكر في شأن المبادرة ونقاشها، بل كان له دور سلبي كرئيس للقمة، حيث كاد يفشلها عندما منع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات المحاصر في مكتبه في رام الله من إلقاء كلمة تلفزيونية عبر الأقمار الصناعية، كان تم الاتفاق عربيا معه تحديا لحصار إسرائيل له. وقد تسبب ذلك الموقف المخزي في غضب معظم الدول العربية، حتى إن الوفد الإماراتي، الذي منح لبنان دوره في استضافة القمة، هدد بالانسحاب إن لم يتراجع لحود عن موقفه المهين لعرفات، واضطر إلى التراجع. أما السيد ماجد عبد الله، فقد ذكر أن حكومة شارون التزمت الصمت حيال المبادرة عندما أعلنت تظاهرا منه بتأييد السلام. الذي أتذكره أن مكتب شارون كان قد أعطى تصريحا فوريا في نفس اليوم برفض المبادرة، واستمر يرفض بشكل محدد مسألتي حق العودة، والقدس.

[email protected]