لماذا تقلق الباكستان الغرب؟

TT

على عكس ما يظن معظم الصحفيين والمثقفين العرب، فإن المشكلة التي تقلق الغرب حاليا ليست إيران، وإنما الباكستان. فالباكستان دولة نووية، بل إنها الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك القنبلة الذرية. يضاف إلى ذلك أنها أكبر من إيران بمرتين، إذ يبلغ عدد سكانها أكثر من مائة وستين مليون نسمة. ولعل الأهم من كل ذلك، هو أنه على عكس ما توحي المظاهر، فإن الباكستان أكثر عداء للغرب من إيران. أقصد بأن شعبها، أو ما يدعى بالشارع الباكستاني، هو أكثر تجييشا ضد الغرب، وأكثر حقدا عليه وكرها له. أما الشارع الإيراني، فيبدو ظاهريا ضد الغرب نظرا لآيديولوجيا النظام ومظاهراته وشعاراته، ولكنه في الواقع هو الأقل عداء للغرب من بين كل الشعوب الإسلامية. والدليل على ذلك أنه تعاطف مع أميركا بعد ضربة 11 سبتمبر في شرائح واسعة منه. هذا في حين أن معظم الشعوب العربية والإسلامية فرحت بالضربة وصفقت لها سرا أو علانية. وبالتالي فلا ينبغي أن تغشنا المظاهر..

كل تصريحات المثقفين الفرنسيين والقادة الأوروبيين والأميركان تشير إلى أن مصدر قلقهم الأساسي هو المنطقة الأفغانية الباكستانية بالدرجة الأولى. وهذا ليس منذ الآن، وإنما منذ زمن طويل. أقول ذلك وأنا أفكر بكتاب الفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي عن مقتل الصحفي الأميركي دانييل بيرل مثلا، وذلك من جملة أمثلة أخرى عديدة. وقد سأل مرة أحد القادة الاسرائيليين عن القنبلة الباكستانية فأجابه: إننا نعرف أين هي بالضبط ونعرف من يحرسها أو يشرف عليها. وإذا ما تحركت من مكانها قيد شعرة فسوف نتحرك فورا. وبالتالي فالقنبلة التي ترعب الغرب ليست الإيرانية التي لم تصنع بعد، وإنما الباكستانية التي صنعت وانتهت. لا ريب في أن القنبلة الإيرانية تزعجه، ولكن ليس بنفس الدرجة. والسبب هو أن الأصولية الباكستانية تخيفه أكثر. والدليل على ذلك تصريحات النائب بيير لولوش المبعوث الفرنسي الخاص إلى المنطقة.

كيف يشخص هذا الرجل المشكلة الحالية بعد أن أمضى عدة أسابيع هناك؟ إنه يرى أن استراتيجية الغرب في أفغانستان لن تنجح إلا إذا ساعدتنا الباكستان التي ترسل آلاف الطالبان عبر الحدود إليها. ولكن المشكلة هي أن الباكستان نفسها أصبحت بحاجة إلى مساعدة الآن! فلم تعد أفغانستان هي وحدها المهددة من قبل الأصوليين، وإنما الباكستان أيضا. وبالتالي فالسؤال الكبير المطروح الآن: هل ستظل الباكستان واقفة على قدميها أم ستنهار؟ هل ستقاوم حركة الطلبنة الزاحفة عليها أم لا؟ هذا هو السؤال الذي يقلق العالم كله حاليا وليس فقط الغرب.

وبالتالي، فهناك مشكلتان الآن في المنطقة لا مشكلة واحدة. الأولى تخص أفغانستان وإعادة إعمارها والاستقرار إليها والاطمئنان إلى أن «القاعدة» لن تعود أبدا إلى السلطة فيها. والمشكلة الثانية هي حماية الباكستان من الانهيار وبقائها على قيد الحياة كدولة. نقول ذلك وبخاصة أنها مؤلفة من خمسة أقاليم ضخمة مختلفة في لغاتها وقومياتها وتركيبتها السكانية، وبالتالي قابلة للانفصال عن بعضها بعضا بسهولة. الباكستان خمس دول لا دولة واحدة! ويرى المراقبون الغربيون أن المشكلة الأساسية للبلاد تكمن في الفقر المدقع أولا، ثم الأصولية المتزمتة ثانيا، وهما شيئان مترابطان. ولكن ما الحل بعد أن تم الاتفاق على تشخيص المشكل؟ على هذا السؤال يجيب بيير لولوش قائلا: إنه يكمن في توافر ثلاثة شروط. الأول هو أن تتفق الطبقة السياسية بحزبيها الأساسيين، أي حزب الشعب لـ«آل بوتو» وحزب الرابطة الاسلامية لنواز شريف، على أن الوضع خطير، وأن مصير البلاد على كف عفريت. ثانيا انطلاقا من هذا الإجماع السياسي الذي لا بد منه، ينبغي القيام بعمل بيداغوجي ضخم لمساعدة الشعب الباكستاني الفقير جدا في شرائحه الواسعة والأصولي منذ أيام ضياء الحق. بمعنى آخر، ينبغي تحسين وضعه المعيشي بأي شكل، وإلا فإن كل الشعب سيقلب في جهة الطالبان. بعدئذ ينبغي تغيير نظام التعليم من أساسه لأنه أصولي متعصب إلى أبعد الحدود ويخرج الطالبان أفواجا أفواجا من خلال ثمانية عشر ألف مدرسة تقليدية متشددة. وهذه المدارس تقدم للتلاميذ الصغار النسخة الأكثر انغلاقا وتزمتا عن الدين الإسلامي السمح الذي كان رائد الحضارة والعلم والفلسفة في يوم من الأيام. وأما الشرط الثالث فيكمن في الإعداد الجيد للجيش ورجال الشرطة على مواجهة حرب العصابات وليس الحرب الكلاسيكية. لقد أرسلوا الجيش مؤخرا إلى إقليم سوات لاستعادته من أيدي الطالبان، فاستخدم القصف العشوائي الضخم، الشيء الذي أدى إلى مقتل آلاف المدنيين الأبرياء ونزوح نصف مليون أو أكثر من الناس. وهذا خطأ كبير بل وجريمة في حق السكان العزل الواقعين بين فكي كماشة.

وأخيرا يرى السياسي الفرنسي أنه لا يمكن الخروج من هذه الأزمة التي تهدد مصير العالم إلا إذا اتفقت الدول المحيطة بالباكستان على استراتيجية واحدة. ينبغي على روسيا والهند والصين والمملكة العربية السعودية ودول الخليج وإيران والاتحاد الأوروبي، وبالطبع الولايات المتحدة الأميركية، أن يبلوروا هذه الاستراتيجية لإنقاذ «الرجل المريض» الذي هو الباكستان حاليا. وإلا فإن المتطرفين من جماعة «القاعدة» سوف يصلون قريبا إلى السلطة في إسلام آباد ويمتلكون القنبلة الذرية لأول مرة. وهذه هي الاحتمالية التي تقلق قادة الغرب والشرق حاليا، وتكاد تقض مضجعهم وتمنعهم من النوم باطمئنان.