«مبادرة».. وكنت أحسبها سلاما!

TT

من جديد المبادرة العربية للسلام على الطاولة كمثار جدل وموضع نقاش حاد وسط الحديث عن مطالب «تعديل» بعض بنودها بحسب مطالب إسرائيلية وأخرى أميركية، ولقيت هذه المطالب رفضا عربيا واضحا.

والواقع أن ما قدم من خلال هذه المبادرة هو طرح عام وشامل لفكرة السلام غير مسبوقة، إذ غطت كل البنود وكافة النقاط الجدلية، ومع ذلك هناك تعنت ورفض إسرائيلي لفكرة المبادرة. من الصعب جدا تخيل أن حكومة إسرائيلية تضم بنيامين نتنياهو كرئيس لها وليبرمان كوزير لخارجيتها، وهما اللذان أعلنا صراحة عن رفضهما لقبول أي انسحاب من أي أرض محتلة أو عودة لأي لاجئ أو اعتراف بالدولة الفلسطينية، بالإضافة لتصريحات أخرى شديدة التطرف بحق العرب عموما، ولكن يتضح أيضا أن إسرائيل «دوليا» محرجة وتواجه ضغوطات معنوية، وتحديدا بعد حربها المجرمة ضد أهالي قطاع غزة والمجازر التي ارتكبتها.

إسرائيل ستسعى كما هو واضح لإعادة خلط الأوراق المتاحة لها كعناصر تفاوض كما هي عادتها دائما، فهي تضع «شروطا» جديدة كأساس للحوار، وهي أن توقف إيران برنامجها النووي، «ما دخْل إيران وبرنامجها بعودة أراضٍ مغتصبة وإطلاق سراح أسرى أبرياء وتنفيذ قرارات عالمية؟ ولكنه الجبروت الإسرائيلي الذي تعود عليه الناس».

إسرائيل اليوم غير إسرائيل البارحة ولا شك، فهي اليوم لم تعد قادرة على إنتاج وإخراج شخصيات قيادية مبهرة ومميزة مثل ما سبق من أيام ما كانت تقدم نماذج كأبا إيبان ورابين وغيرهما، وكل ما تستطيع عمله اليوم هو الإتيان بأمثال نتنياهو وليبرمان، وهذا لوحده يمنح الحجة للعرب بأن قضيتهم قابلة للتصديق وقابلة للترويج أكثر من كل أعذار وذرائع إسرائيل وحكومتها.

ولكن المعركة الآن تنتقل من ساحات الحرب إلى دوائر العلاقات العامة وبقوة، وبات على العرب تغيير وسائل وأدوات القتال مع إسرائيل وحكومتها. الحكومة الإسرائيلية ذاتية الضرر، وما تقوم به من تجاوزات وكوارث بحاجة فقط أن يوثق ويعلن وباستمرار عبر الوسائل الجديدة وغير التقليدية، ولكن كل ذلك لا يمكن عمليا عمله بإقناع وسط الانقسام الفلسطيني ولا وسط السلبية الفلسطينية المتزايدة، وهي ظاهرة باتت تستشري وسط فلسطينيي المهجر والذين باتت ظاهرة اللامبالاة في أوساطهم مسألة خطيرة وبحاجة لدراسة ووقفة جادة للمراجعة، إذ لا يمكن توقع أن يكون هناك تعاطف ودعم ومؤازرة من غير الفلسطينيين في قضيتهم أكثر منهم.

المبادرة العربية على الورق مقنعة وقوية جدا وتغطي كافة النقاط الجدلية، ولكن من الواضح أن هناك «تتمة» مطلوبة لرفع سقفها الدولي، تتمة تقتضي تحفيز الزخم الشعبوي العالمي تروج فيه للقضية الفلسطينية تحديدا والعربية عموما، وهو ما فشل فيه العرب للآن وبقوة، ومبادرة تاريخية قوية ومتكاملة من هذا النوع بحاجة لحراك «مختلف» تماما، وهذا المطلوب من كل من لديه قضية قوية متماسكة وعادلة مثل القضية العربية، وبالتالي المبادرة الموضوعة على الطاولة لن تحسم إلا بزخم دولي هائل.