عندما تقرقر البطون

TT

سمعنا الكثير عما أوحت به القلوب من شعر، ولكن للبطون مقالاتها أيضا. فما يزعج الشاعر عندما يخف لوليمة واعدة خروجه بمعدة خاوية. وكان ذلك ما قاله أحدهم بعد خروجه من حفلة عرس لئيمة لصديقه سليمان:

مات في عرس سليمان

من الجوع جماعة

مات أقوام وقــوم

عُلموا فيه القناعـة

لم يكن ذلك عرســا

إنما كان مجاعـة!

وجلس شاعر آخر في ضيافة أحد أصحابه حتى ألم به الجوع وصاحبه يتلو مقاطع من المصحف الشريف متباهيا بحسن صوته وإجادته التجويد والتلاوة، فما كان من الشاعر غير أن أنشده هذين البيتين:

لخبز يا أخيّ عليه لحم

أحب إلي من حسن القران

تظل تدهده القرآن حولي

كأني من عفاريت الزمان

وعانى شاعر من تجربة جوعية مشابهة، ولكن من سقيم الكلام لا بليغه فخرج يندب حظه ويصف محنته مع مضيف بخيل:

أبو نوح أتيت إليه يوما

فغداني برائحة الطعام

وقدّم بيننا لحما سمينا

أكلناه على طبق الكلام

فلما أن رفعت يدي سقاني

كؤوسا حشوها ريح المدام

فكنت كمن سقى الظمآن ماء

وكنت كمن تغدى في المنام

وفي كل ذلك عبرة لمن يدعو شاعرا لبيته ولا يحسن استضافته.

وجاء في «محاضرات الأدباء» أن أصحاب محمد بن الجهم قالوا له يوما: نخشى أن نقعد عندك فوق مقدار رغبتك بمصاحبتنا. إذا حصل ذلك فأعطنا علامة نعرف منها أنك قد بدأت تستثقل وجودنا وتتمنى خروجنا لنخرج. فقال خير علامة لذلك أن تسمعوني أنادي على غلامي وأقول: يا غلام هات الغداء.

واستضاف نفر من الرقاشيين أبا نوآس، وكانت وليمة شحيحة فوقعوا بحد لسانه. خرج منهم ليدون هذه الأبيات:

رأيت قدور الناس سودا من الطلا

وقدر الرقاشيين زهراء كالبدر

يضيق بحيزوم البعوضة صدرها

ويخرج ما فيها على قلامة الظفر

إذا ما تنادوا للرحيل سـعى بها

امامه الحولي من ولد الذر

وقال شاعر آخر يذكرنا بما قاله زاهد محمد بحق وليمة صاحبه صادق الصايغ:

أتانا بخبز له حامض

كمثل الدراهم في رقته

إذا ما تنفس حول الخوان

تطاير في البيت من خفته

www.kishtainiat.blogspot.com