إيران.. ما لها وما عليها.. وليتذكروا

TT

ليس منطقيا أن ينكر أحد على إيران حقها في حياة حرة كريمة، مبنية على التعاون والانفتاح، وأن تكون عضوا فاعلا، حالها حال الآخرين، في منظومة أمن إقليمي مرتبط، بشكل أو آخر، بالأمن الدولي، بحكم خصوصيات المصالح الدولية في المنطقة. ولها حق تنويع مصادر الطاقة، بما في ذلك الطاقة النووية السلمية، برغم توافر كميات كبيرة لديها من الاحتياط النفطي. ولها أن تطمئن على سلامة النظام الذي (يختاره) مواطنوها، ولها على العرب عدم تشجيع أو تأييد مهاجمتها من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وغيرهما، وألا تشعر بعزلة تُبنى على أسس دينية أو مذهبية، وأن تُطلق أموالها المجمدة منذ ثلاثة عقود، ورفع العقوبات المفروضة على بعض مفاصلها.

ومع أن كل ما ورد يعد حقا مشروعا، إلا أنه حق يرتبط بمواقف مقابلة تمثل استحقاقا وبرهانا على حسن النوايا، لأن العالم، بما في ذلك العرب، لم يتحرك في الضد من المصالح الإيرانية، إلا رد فعل متواضع على سياسات استفزازية مؤذية تحمل طابعا توسعيا واضحا وتدخلا سافرا في شؤون الغير.

ولكي تثبت إيران حسن النوايا، عليها تقديم قائمة طويلة من الاستحقاقات، يتقدمها التخلي عن الغلو المبني على تصورات واستنتاجات مستحصلة من الوهم وقصر النظر، والاستهانة بقدرة الفعل لدى الطرف المقابل.

لقد رقص مسؤولون إيرانيون على أنغام التنوع الاجتماعي في بعض دول المنطقة، فيما لديهم تنوع يفوق بتعدده ما عند الآخرين أضعافا، وحيث تتجانس مكونات الدول، عدا حالات قليلة، تعيش إيران تناقضات حادة لم توقفها إلا حالة البطش وممارسات الاضطهاد. مستخدمة الدين قاسما مشتركا بطريقة تجافي العدل والإنصاف والشرائع السماوية التي يدعون. وعليها التخلي التام عن إثارة النعرات، بكل معانيها، لدى الدول العربية، وغيرها، وهذا لا يتحقق إلا إذا جنحت إلى العقل، أو عندما تلمس رد فعل يرتقي إلى مستوى المسؤولية.

ورقص هؤلاء على أنغام صراع عربي إسرائيلي، ثبت بمرور الوقت أنه صراع عبثي، حيث قبل أكثر متشددي الحركات الفلسطينية بدولة تقام على حدود 4 يونيو 1967، متقهقرين إلى خط المبادئ التي خُوّن بسببها الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة قبل عدة عقود. وعليهم أن يدركوا أن الوعي العربي بدأ يأخذ مجالا طبيعيا، وربما أصبحت الغارات الافتراضية الإسرائيلية على مواقع التهديد النووي الإيرانية أملا لبعض العرب، وربما أكثر من ذلك، وظهر من يدعو لتحالف عربي إسرائيلي تحسبا للقادم من الأيام وردا على الغلو الإيراني. وهكذا هي حركة التاريخ لا تتحدد بأفق ولا تُرهن تحت سقف.

صحيح أن إيران دولة كبيرة بمقاييس المنطقة، إلا أن مساحتها تشكل عبئا استراتيجيا عليها، إذا ما أخذت نقاط الضعف والقوة رزمة واحدة، خصوصا ما يتعلق بالتوزيع الديموغرافي. وهي ليست أكثر عراقة من الآخرين، لذلك عليها التخلي عن سياسة صنع الخصوم، التي لا تليق بدولة كانت في يوم ما حاضرة في جوانب مختلفة.

ويرتكب المسؤولون الإيرانيون خطأ إذا ما ظنوا أن ضربة أميركية واسعة (عن بعد) لن تؤدي إلى إسقاط نظامهم المعترض عليه في معظم ولايات إيران الحالية، كما أنهم يخطئون الحساب إذا ما أخذوا على محمل الجد، الهواجس الأميركية من ظهور أجيال من الانتحاريين الإيرانيين، فيما لو هوجمت منشآتهم النووية. فكثير من المسؤولين الأميركيين يعبرون عن آرائهم الشخصية، ويبقى القرار الأكثر تأثيرا ضمن الاختصاصات الخاصة في أجهزة محددة.

لذلك عليهم التشبث بنهج الانفتاح الأميركي الجديد، وألا يخطئوا الحساب في تصور انفصام غربي عربي محتمل، ومحاولة تعزيزه. فالعلاقات الغربية العربية أكثر أهمية مما يظنون، خصوصا في ظل النهج الخاطئ المتبع في طهران منذ عقود.

وإذ يتحسب العرب حيال بناء علاقات أميركية إيرانية، فإنما يتحسبون لما يمكن أن يحدثه اندفاع أميركي مبني على متطلبات تكتيكية، من متغيرات تزيد التوتر الإقليمي، ولذلك فهم (العرب) مدعوون إلى تعزيز علاقاتهم مع الغرب، وألا يسمحوا بأن يأخذ غيرهم موقع التفضيل تحت أي ظرف، وعدم الالتفات إلى هذا الصوت أو ذاك.

إن ما يمكن أن تقدمه إيران كثير لو كان يقودها نظام آخر يتسم بالواقعية، أما أن تجري المساومة على أساس (تحجيم) و(تخدير) و(تنويم) هذه الخلية الإرهابية أو تلك، لمرحلة معينة مقابل ثمن كبير، فهذا ابتزاز مرفوض ينبغي معالجته بطريقة أخرى، وليس القبول بأمر واقع شاذ. تضيق بموجبه الفوارق في التعامل بين إرهابي وموجهه. فكلاهما يقبعان تحت سقف واحد. لذلك يتطلب أن تتخذ إيران موقفا واضحا بوقف كل نشاطاتها المتعلقة بدعم قوى الإرهاب والقوى المتطرفة الأخرى أينما وجدت.

حتى في زمن غطرسة الشاه، صديق أميركا المقرب، لم تقبل دول الجوار، يوم كانت ضعيفة، بإيران شرطيا للمنطقة، فهل يعقل أن تقبل بتلك المعادلات السقيمة، بعد أن قطعت شوطا طويلا في معظم مجالات الحياة، وصرفت مئات بلايين الدولارات على ترتيبات أمنها؟

وعشية الانتخابات الإيرانية، وفقا لديمقراطية طهران التي لا تجيز للقوى الليبرالية المعارضة لولاية الفقيه خوضها، يبدو مير حسين موسوي الأكثر قبولا أميركيا وعربيا، ولإملاء استمارة القبول، لكنه الأقل حظا مقابل محسن رضائي، أبرز قادة الباسداران، وأحمدي نجاد، المرتدي ثوب الثورية المباركة بمسحة الولي الفقيه. وحيث لم يذق نجاد مرارات الحرب، لا بد أن رضائي يتذكر الأيام المريرة التي انقلبت فيها كل الحسابات المتسرعة إلى مواقف يؤلمهم تذكرها، ومنها، وأبسطها، ما حصل عام 1983، عندما أطلق الكلمة الرمزية (ببيش) أي تقدموا، لهجوم كبير شرق ميسان، ظنوه مباغتا، فوجد مقاتلوهم حسابات الميدان بعيدة عن حسابات ما يوصف بالإمدادات الغيبية، فقال القادة الإيرانيون إن آفة بينهم أحبطت هجومهم!

من حق العالم انتظار التغيير في مرحلة ما بعد الانتخابات، لكن المشكلة تكمن في فلسفة النظام، فالمرشد هو الحاكم، ولا يزال متمسكا بتوجه جُبل عليه.

[email protected]