الأزمة المالية العالمية.. والتربية الاقتصادية

TT

من المجالات التربوية المهمة التي يمكن أن تساهم – إلى حد بعيد- في التخفيف من آثار الأزمة المالية العالمية الراهنة، مجال التربية الاقتصادية، التي تعتبر ضرورة شرعية لتحقيق سلوك اقتصادي آمن ومستقر ورشيد.

فقد أدى غياب التربية الاقتصادية من حياتنا اليومية إلى ممارسة العديد من الأنشطة والممارسات الاقتصادية الخاطئة البعيدة عن المنهج الاقتصادي السوي، فمظاهر وعادات الاستهلاك السيئة مثل التبذير والإسراف والتقليد والمحاكاة والتفاخر وحب الظهور وغياب الوعي الاستهلاكي والادخاري والغش التجاري والاختلاسات والسرقات والرشاوى والفساد المالي والإداري، ما هي إلا أمثلة لممارسات اقتصادية خاطئة ومدمرة، تمثل استنزافاً كبيراً للموارد المالية للأفراد والحكومات .

من هنا تبرز أهمية التربية الاقتصادية في خلق وإشاعة المناخ الاقتصادي الصحي السليم الذي يقي الفرد والمجتمع من أي أزمات مالية ومشكلات اجتماعية ناجمة عنها.

والتربية الاقتصادية نظام فعال من منظومة التربية الإسلامية الشاملة لكل جوانب حياة الإنسان وشخصيته، فتربية وتدريب الفرد – منذ صغره - على الاقتصاد في الاستهلاك والإنفاق وتشجيعه على التوفير والادخار والاستثمار النافع المباح، مع احترام القيم والمبادئ الأخلاقية والأحكام والضوابط الشرعية المرتبطة بهذه الممارسات الاقتصادية، يسهم على المدى القريب والبعيد في خلق مناخ اقتصادي صحيح يحمي الأفراد والمجتمعات من الكثير من الكوارث والأزمات.

فمن بين السلوكيات الاقتصادية التي يجب غرسها داخل الأفراد وتربيتهم عليها، التعامل بالحلال والطيبات، والأولويات في الشراء، أي الحاجات الضرورية التي بدونها يهلك الفرد، والاعتدال والتوازن في الإنفاق والاستهلاك، قال تعالى في سورة الفرقان آية (67) : «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً»، وقال تعالى في سورة الإسراء آية (29): «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً»، وكذلك تربية النشء والأفراد على الادخار للمستقبل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «رحم الله امرءاً اكتسب طيباً (أي حلالا) وأنفق قصداً (أي بتدبير واعتدال من غير إفراط ولا تفريط) وقدم فضلاً ليوم حاجته (أي ادخر للمستقبل)»، وأيضاً تربية الأفراد على الخشونة والتقشف أثناء الأزمات، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير، قال: فجلست فإذا عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، وقَرظ في ناحية في الغرفة (قَرظ :هو شيء يدبغ به الجلد)، وإذا إهاب معلق (إهاب: جلد غير مدبوغ) فابتدرت عيناي (سالت بالدموع)، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك يا ابن الخطاب؟»، فقلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك وهذه خزائنك لا أرى فيها إلا ما أرى وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار وأنت نبى الله وصفوته وهذه خزائنك. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا ابن الخطاب، أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا».

خلاصة القول، لقد أصبحت هناك ضرورة عاجلة لتوعية النشء والأفراد بأسباب وأبعاد الأزمات المالية وغرس مفاهيم التربية الاقتصادية والسلوكيات الاقتصادية الإسلامية المشروعة في المدارس والجامعات وتنمية الوعي الاستهلاكي والادخاري والاستثماري، مع عرض نماذج من السيرة النبوية في إدارة الأزمات الاقتصادية وأيضاً لشخصيات عربية وعالمية ناجحة في مجال المال والاقتصاد والتجارة، مع قيام وسائل الإعلام بإعداد برامج متخصصة وصفحات وملاحق خاصة تساهم في تنمية وعي وثقافة المستهلك من خلال أساليب وخطوات فعالة تساعد الأفراد والحكومات على مواجهة الأزمات المالية والاستعداد والتكيف مستقبلا مع أي أزمات ومشكلات مالية واقتصادية طارئة.

* كاتبة وباحثة مصرية