خطابان لحماس

TT

أصبحت المسألة أشبه بالعادة، عندما يتحدث بعض السياسيين في المنطقة إلى الإعلام الغربي.. يقولون شيئا وكأن هذا الإعلام في كوكب آخر لن تنقله وكالات الأنباء ووسائل الإعلام في المنطقة، وعندما يشعرون أن ما قالوه يختلف عن الخطاب الذي يوجهونه إلى جمهورهم، الذي عادة ما يكون حماسيا وشعاراتيا يلجأون لتوضيح وتصحيح ونفي ما قالوه، وغالبا ما يكون النفي في وسائل الإعلام المحلية، وليس للوسيلة التي تحدثوا إليها.

لم يخرج زعيم حماس خالد مشعل، عن هذه العادة، فقد أدلى بحديث إلى «نيويورك تايمز»، بدت فيه مواقفه مختلفة عما هو معلن من سياسات للحركة الفلسطينية، فهو قبل حل الدولتين وتحدث عن تهدئة وقبول بدولة فلسطينية على حدود 1967، وأكد أن الحركة مستعدة لأن تكون جزءا من الحل، وهي مواقف تتوافق مع مواقف السلطة الفلسطينية، ومطالب المجتمع الدولي من الحركة لإشراكها في العملية السياسية، وهو ما طرح تساؤلات، إذا ما هو الخلاف، ولماذا هذا الانقسام الفلسطيني طالما أن المواقف هكذا. وبعد 24 ساعة جاء التوضيح والنفي عبر المواقع الإلكترونية للحركة، بأنه لم يقبل حل الدولتين، أو أن الحركة قررت وقف الصواريخ على إسرائيل، وبعدها بيومين جاء توضيح آخر في مؤتمر صحافي، بأن الحركة لم تقبل حل الدولتين، لكنها تقبل دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967، والنتيجة أنه أصبحت لدينا تصريحات متضاربة مع بعضها، وكأن المقصود أن لا نفهم شيئا.

وإذا أخذنا كل ما صدر سنجد أن الكلام الواضح الصريح هو الذي نقلته «نيويورك تايمز» عن زعيم الحركة، وأن جوهر الخطاب الذي وجهه هو تقديم نفسه إلى الإدارة الأميركية الجديدة، التي تبلور مواقفها حاليا بشأن خطة السلام في المنطقة، بحيث تكون حركة حماس بين اللاعبين وليس خارج الطاولة. أما النفي فهو غير مفهوم، فالقبول بدولة على حدود 1967 يعني حل الدولتين، ويستلزم قبول الطرف الآخر، وترتيبات سلام وضمانات إلى آخره، فهكذا يعمل العالم، فهي في النهاية ليست خلافا بين ميليشيات وزعماء فصائل تحل باتفاقات مبهمة لتنقض في اليوم التالي.

والأطراف الجادة الراغبة في أن تكون ضمن العملية، يجب أن يتحلوا بالشجاعة والقدرة على اتخاذ المواقف والدفاع عنها وتوضيحها لجمهورهم، إذا كانت مخالفة لما هو سائد من خطاب شعبوي سياسي، وذلك حتى تأخذهم الأطراف الأخرى بجدية.

لقد دعا مشعل، في حديثه إلى تجاهل ميثاق حماس، مشيرا إلى أن الحركة تتعلم من تجاربها، وقال: إنها تسعى إلى هدنة طويلة مع إسرائيل، وتعهد بأن تكون جزءا من الحل بشكل كامل، وهذا كلام جميل، وإن كان هذا الكلام حتى يأخذ طريقه إلى أرض الواقع يحتاج إلى تنسيق مع الأطراف الفلسطينية الأخرى، مثل فتح والفصائل الأخرى، حتى يكون الموقف الفلسطيني موحدا، وليس عبارة عن فصائل متنافسة مع بعضها تعطي الانطباع بأن الأهم لديها هو السلطة بدلا من التوصل إلى حل للصراع.

وإذا اعتبرنا أن التوضيحات التي جاءت بعد الحديث هي كلام للاستهلاك المحلي، فإن هناك جديدا في مواقف حماس، قد تكون مدفوعة له في ضوء الشعور بأنها في النهاية قد تترك وحدها في العراء، لأن الحلفاء من دمشق إلى طهران وبيروت يخطبون ود الإدارة الجديدة، ويريدون حل قضاياهم. لكنه يتعين أن تعلنه وتقوله بشجاعة، ففي النهاية هناك قضية فلسطينية هي الأصل في الصراع، ويجب على أصحابها أن يعملوا على الحيلولة عن أن تكون مجرد ورقة على موائد الآخرين.